كتاب أخبار النساء لابن الجوزي
نعم تركته في رحلي وراء هذا الجبل ونحن بايتون ومصطحبون قالت: فإنّي أرى لك وجهاً يدلّ على الخير، فهل لك في الأجر؟ فقلت: فقيرٌ إليه. قالت: فالبس ثيابي وادخل في أريكتي ودعني حتّى آتيه. فإنّك تحيي نفسين، وتغنم أجراً عظيماً. قلت: أفعل ما تريدين. قالت: إنّك إذا أصبحت أتاك زوجي في هجعته فقال يا فاجرة، فأوسعك شتماً، فأوسعته صمتاً ولا تجعل إنّك سمعته فإنّ يقول في آخر كلامه: اقمعي سقاك يا عدوّة. فضع المقمع في ذلك السّقاء الأخر فإنّه منخرق. قال: ومضت. فجاء زوجها ففعل ما قالت. وقال إقمعي سقاك فحببني الله أن تركت الصّحيح وقمعت الواهي، فما شعر إلاّ واللبن يتسيّب بين رجليه. فعدا إلى زاوية البيت فتناول حبلاً ثمّ ثناه على اثنين فصار على ثمانٍ، فجعل لا يتّقي بع رأساً ولا وجهاً ولا جنباً فخشيت أن يبدو له وجهي فألزمته الأرض، فعمل بجنبي وظهري ما ترى، ومضى عنّي.
فلمّ كان الصّباح جاءت فرأت ما حلّ بي من الشّرّ فأكبّت عليّ وقالت: بأبي أحييت نفسي بقتل نفسك. ودخلت تعتذر وتتلهّف لما بي، وتدعو لي وتتضرّع. فأخذت ثيابي وانصرفت ولا يعدل ظفرهما عندي شيء.
قد قدمنا في أخبار قيس بن ذريح كيف كان سبب تطليقه لبنى وندمه عليها ثمّ ساءت حاله، ولف عقله، واشتدّ مرضه، وأشرف على حتفه. فقال أهله: لو زوّجتموها إيّاه ليئس منها، وسلا عنها. فخطبها رجلٌ من قريش وحكم أباها في المهر. فزوّجه إيّاها، فحملها معه إلى المدينة. فقال قيس:
الصفحة 190
255