كتاب أضواء على الثقافة الاسلامية

ولتبديد الطاقات والأموال ولشغل المسلمين بفتن جانبية تبعد اهتماماتهم عن القضايا الأساسية وعن المشكلات الجوهرية.
وحينما صممت الشعوب الإسلامية على أن تتحرر من نير الاستعمار، لم تستطع أن تحقق ما سعت إليه إلا بسبب قوة العقيدة، ووحدة الشعور الديني الذي كان يلهب الحماسة ويشد العزائم ويجمع الشتات ويذكي الكفاح، ويوحد النضال..
وعلى هذا فإن طابع الأمة الإسلامية طابع إنساني عالمي، إنه يتسامى على القومية التي تدعو إلى التكتل على أساس روابط القبيلة أو العرق أو الجنس أو الطبقة الخاصة.. ويتسامى على طابع الرأسمالية التي تساند الأثرياء من أصحاب المال والصناعة، ولو اقتضى الأمر أن تكون المساندة على حساب الآخرين من غير قيد لوسائل الكسب والإنفاق، وهو فوق الاشتراكية التي تساند طبقة العمال مساندة مطلقة على حساب أصحاب رءوس الأموال1.
إن كل العوامل التي تحدث الفوارق في المجتمعات الإنسانية، من اقتصاد أو طبقية أو عنصرية تزول أمام قوة الإسلام، وذلك للقدرة الذاتية التي يملكها هذا الدين لاستيعاب كافة مقومات الأمة في الوحدة الإسلامية والرابطة الإيمانية.. إن المسلمين يتعبدون بكتاب واحد، هو كتاب الله العزيز الحميد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويتجهون جميعا في عباداتهم إلى قبلة واحدة هي رمز لوحدة الهدف والاتجاه، وهم جميعا يسعون لتحقيق غرض واحد وهو رضاء الله رب العالمين.. وهذه هي العوامل الحقيقية لوحدة الأمة الإسلامية، وهي العوامل الجوهرية التي تدعو إلى التضامن الإسلامي.
إن التضامن الإسلامي أمر تفرضه على المسلمين طبيعة دينهم ووضعهم الجغرافي والاقتصادي وظروفهم السياسية والدولية وتراثهم المشترك الزاهي، وإنه من الخير أن تتكتل المجتمعات الإسلامية على وحدة الدين وأن يكون كل فرد بالنسبة لأخيه المسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا. وأن يتعاونوا في سبيل نهضة إسلامية شاملة. قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
__________
1 الثقافة الإسلامية على ضوء الكتاب والسنة للدكتور تهامي نقرة: ص233.

الصفحة 356