كتاب مختصر تفسير سورة الأنفال (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثاني عشر)

وإن كان سببه يوم بدر فهو عام في كل كافر إذا بشرته الملائكة بالعذاب، كما في حديث البراء 1. وقوله: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} 2 الآية، أي: أن الله لا يظلم، كما في الصحيح: "من وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه 3") . ولهذا قال: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} الآية، أي: فعل هؤلاء كما فعل من قبلهم، ففعلنا بهم كما فعلنا بأولئك. وقوله: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ} 4 أي: أن شر ما دب على الأرض {الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} 5، الذين كلما عاهدوا نقضوا. وقوله: {وَهُمْ لا يَتَّقُونَ} أي: لا يخافون الله فيما ارتكبوا من الآثام.
وقوله: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ} 6 أي: تظفر بهم، {فَشَرِّدْ بِهِمْ} أي: نكل بهم، ومعناه غلظ عقوبتهم ليخاف غيرهم من الأعداء. وقوله: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} 7 أي: إن خفت منهم نقضا لما بينك وبينهم من العهد، {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} 8 أي: أعلمهم أنك قد نقضت عهدهم، حتى يبقى علمك وعلمهم أنهم حرب سواء.
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} 9 أي: لو في حق الكفار. وروى الإمام أحمد عن سلمان أنه انتهى إلى حصن أو مدينة فقال لأصحابه: "دعوني أدعهم كما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم؛ فقال: إنما كنت رجلا منكم فهداني الله (إلى الإسلام، فإن أسلمتم
__________
1 ابن كثير: 2/319.
2 سورة الأنفال آية: 51.
3 صحيح مسلم: 4/1994.
4 سورة الأنفال آية: 54-55.
5 سورة الأنفال آية: 55.
6 سورة الأنفال آية: 57.
7 سورة الأنفال آية: 58.
8 سورة الأنفال آية: 58.
9 سورة الأنفال آية: 58.

الصفحة 21