كتاب مختصر تفسير سورة الأنفال (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثاني عشر)

وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} 1: يقول تعالى: إذا خفت من قوم خيانة فانبذ إليهم، فإن حاربوا فقاتلهم، فإن جنحوا للسلم أي المصالحة فاجنح لها أي مل إليها. وقوله: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} أي: صالح مع التوكل؛ فإن الله ناصرك، ولو أرادوا بالصلح خديعة ليستعدوا. ثم ذكر نعمته عليه بالمهاجرين والأنصار، وتأليفه بين قلوبهم. وقوله: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} أي: منيع الجانب لا يخيب من توكل عليه، حكيم في أفعاله يضع الأشياء مواضعها. وقال ابن مسعود في الآية:2 "نزلت في المتحابين في الله" قال ابن عباس3: "إن الرحم لتقطع، وإن النعمة لتكفر، وإن الله إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء" قال الأوزاعي4 حدثني عبدة بن أبي لبابة عن مجاهد ولقيته فأخذ بيدي فقال: "إذا التقى المتحابان بالله فأخذ أحدهما بيدي صاحبه وضحك إليه تحاتت خطاياهما كما تحات ورق الشجر، قال عبدة فقلت له: إن هذا ليسير. فقال: لا تقل ذلك فإن الله يقول: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} الآية. فعرفت أنه أفقه مني" وقال ابن عون عن عمير بن إسحاق قال: 5 "كنا نتحدث أن أول ما يرفع من الناس الألفة".
وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} 6
__________
1 سورة الأنفال آية: 61-62-63.
2 ابن كثير: 2/323.
3 نفس المصدر والجزء والصفحة.
4 ابن جرير 10/37 وابن كثير 2/323.
5 المصدران السابقان.
6 سورة الأنفال آية: 64-65.

الصفحة 23