كتاب سر الفصاحة
هذا يا بني هو التجنيس ومن زعم أنه طباق فقد ادعى خلافاً على الخليل والأصمعي فاتفق الأخفش والآمدي على مخالفة أبي الفرج في التسمية وسمى أصحاب صناعة الشعر ما كان قريباً من التضاد المخالف وقسم بعضهم التضاد فسمى ما كان فيهما لفظتان معناهما ضدان كالسواد والبياض المطابق وسمى تقابل المعاني والتوفيق بين بعضها وبعض حتى تأتي في الموافق بما يوافق وفي المخالف بما يخالف على الصحة: المقابلة. وسمى ما كان فيه سلب وإيجاب: بالسلب والإيجاب ولم يجعله من المطابق ولكل من ذلك أمثلة سنذكرها ونوضحها فأما التسمية فلا حاجة بنا إلى المنازعة فيها لأن الغرض فهم هذه المناسبة دون الكلام في أحق الأسماء بها على أن الذي أختاره تسمية الجميع بالمطابق لأن الطبق للشيء إنما قيل له طبق لمساواته إياه في المقدار إذا جعل عليه أو غطى به وإن اختلف الجنسان وفي المثل وافق شن طبقه ومنه طباق الخيل.
يقال: تطابق الفرس إذا وقعت رجلاه في موضع يديه في المشي والعدو وكذلك الكلاب.
قال النابغة الجعدي:
وخيل يطابقن بالدار عين ... طباق الكلاب يطأن الهراسا1
وقد فسر قول الله تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ} 2 أي حالاً بعد حال ولم يرد تساويهما في نفس المعنى وإنما أراد تساويهما في المرور عليكم والتعيير لكم فإذا كان هذا حقيقة الطباق وهو مقابلة الشئ بمثله الذي هو على قدره سمو المتضادين إذا تقابلا متطابقين.
وهذا الباب يجرى مجرى المجانس ولا يستحسن مه إلا ما قل ووقع غير مقصود ولا متكلف فإما إذا كان معنياً الكلمتين غير
__________
1 الهراس شوك مؤذ.
2 سورة الانشقاق الآية 19.
الصفحة 200
315