كتاب سر الفصاحة

متناسبين لا على التقارب ولا على التضاد فإن ذلك يقبح ومنه ما أنكره نصيب على الكميت في قوله:
أم هل ظعائن بالعلياء نافعة ... وإن تكامل فيها الدال والشنب
فإنه قال له: أين الدل من الشنب إنما يكون الدل مع الغنج ونحوه والشنب مع اللعس أو ما يجري مجراه من أوصاف الثغر والفم. فكان الدل والشنب في قول الكميت عيباً لأنهما لفظتان لا يتناسبان بتقارب معنيهما ولا بتضادهما.
ومما يستحسن من المطابق قول أبي عبادة البحتري:
فأراك جهل الشوق بين معالم ... منها وجد الدمع بين ملاعب
وهذه هي ديباجة أبي عبادة المعروفة وكلامه السهل الممتنع وشعره الخضل لكثرة مائه وقول أبي الطيب:
أزورهم وسواد الليل يشفع لي ... وأنثني وبياض الصبح يغرى بي
فهذا البيت مع بعده من التكلف كل لفظة من ألفاظه مقابلة بلفظة هي لها من طريق المعنى بمنزلة الضد: فأزورهم وأنثني وسواد وبياض والليل والصبح ويشفع ويغرى ولي وبي وأصحاب صناعة الشعر لا يجعلون الليل والصبح ضدين بل يجعلون ضد الليل النهار لأنهم يراعون في المضادة استعمال الألفاظ وأكثر ما يقال الليل والنهار ولا يقال الليل والصبح وبعضهم يقول في مثل هذا: مطابق محض ومطابق غير محض فالليل والصبح عنده من بيت المتنبي طباق غير محض

الصفحة 201