كتاب سر الفصاحة

وأما الإيجاب والسلب فكقول أبي عبادة:
تقيض لي من حيث لا أعلم النوى ... ويسرى إلي الشوق من حيث أعلم
وكقول السموأل:
وننكر إن شئنا على الناس قولهم ... ولا ينكرون القول حين نقول
وكقول الشماخ:
هضيم الحشا لا يملأ الكف خصرها ... ويملأ منها كل حجل ودملج
فقوله: لا أعلم واعلم وننكر ولا ينكرون ولا يملأ ويملأن من السلب والإيحاب.
فأما الذي ذكرناه أنه يسمى المقابلة في مراعاة المعاني حتى يأتي في الموافق وفي المخالف ما يخالف على الصحة فسنورد أمثلته عند شروعنا في الكلام على المعاني بعد الفراغ من الألفاظ وما يتعلق بها بمشيئة الله وبعونه.
ومن شروط الفصاحة والبلاغة: الإيجاز والاختصار وحذف فضول الكلام حتى يعبر عن المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة. وهذا الباب من أشهر دلائل الفصاحة وبلاغة الكلام عند أكثر الناس حتى أنهم إنما يستحسنون من كتاب الله تعالى ما كان بهذه الصفة ومن الناس من يقول: إن من الكلام ما يحسن فيه الاختصار والإيجاز كأكثر المكاتبات والمخاطبات والأشعار ومنه ما يحسن فيه الإسهاب والإطالة كالخطب والكتب التي يحتاج أن يفهمها عوام الناس وأصحاب الأذهان البعيدة فإن الألفاظ إذا طالت فيها وترددت في إيضاح المعنى أثر ذلك عندهم

الصفحة 205