كتاب سر الفصاحة
وكان أبو الحسن عل نب عيسى الرماني يسمى هذا الجنس - وهو إسقاط كلمة لدلالة فحوى الكلام عليها: الحذف ويسمى بنية الكلام على تقليل اللفظ وتكثير المعنى من غير حذف: القصر ويجعل الإيجار على ضربين القصر والحذف. وكان يسمى العبارة عن المعنى بالكلام الكثير. مع أن القليل يكفى فيه: التطويل ويسمى العبارة عن المعنى بالكلام الكثير الذي يستفاد منه إيضاح ذلك المعنى وتفصيلة: الإطناب ويجعل التطويل عيباً وعياً والأطناب حسناً ومحموداً.
وهذا المذهب من أبى الحسن موافق لما اخترناه لأنه يذهب إلى حسن الأطناب الذي هو عنده طول الكلام في فائدة وبيان وإخراج للمعنى في معاريض مختلفة وتفصيل له ليتحققه السامع ويستقر عنده فهمه وهذا هو الذي اخترناه وقلن أنه في إنه على التحقيق ألفاظ كثيرة ومعان كثيرة وكذلك قد وافقنا استقباح التطويل وحمد الإيجاز على ما فسره من معنييهما عنده.
ويجب أن نحد الإيجاز المحمود بأن نقول: هو إيضاح المعنى بأقل ما يمكن من اللفظ وهذا الحد أصح من حد أبي الحسن الرماني بأنه العبارة عن المعنى بأقل ما يمكن من اللفظ وإنما كان حدنا أولى لأنا قد احترزنا بقولنا: إيضاح من أن تكون العبارة عن المعنى وإن كانت موجزة غير موضحة له حتى يختلف الناس في فهمه فيسبق إلى قوم دون قوم بحسب أقساطهم من الذهن وصحة التصور فإن ذلك وإن كان يستحق لفظ الإيجاز والاختصار فليس بمحمود حتى يكون دلالة ذلك اللفظ على المعنى دلالة واضحة.
وقد قدمنا ما ورد في القرآن من أمثلة ذلك وإن كانت كثيرة يطول استقصاؤها ومنه قول أمير المؤمنين عليه السلام: قيمة كل امرئ ما يحسن فإن هذه الألفاظ على غاية الإيجاز وإيضاح المعنى وظهور حسنها يغنى عن وصفه.
الصفحة 211
315