كتاب سر الفصاحة

وروى أبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب عن أحمد بن يوسف الكاتب أنه قال: دخلت يوماً على المأمون وفي يده كتاب وهو يعاود قراءته تارة بعد أخرى ويصعد ويصوب فيه طرفه قال: فلما مرت على ذلك مدة من زمانه التفت إلى فقال: يا أحمد أراك مفكراً فيما تراه منى قلت: نعم! وفى الله أمير المؤمنين المكاره وأعاذه من المخاوف قال: فإنه لا مكروه في الكتاب ولكني قرأت فيه كلاماً وجدته نظير ما سمعت الرشيد يقوله في البلاغة فإني سمعته يقول: البلاغة التباعد عن الإطالة والتقرب من معنى البغية والدلالة بالقليل من اللفظ على المعنى وما كنت أتوهم أن أحداً يقدر على المبالغة في هذا المعنى حتى قرأت هذا الكتاب أتوهم أن أحداً يقدر على المبالغة في هذا المعنى حتى قرأت هذا الكتاب ورمى به إلى. وقال هذا كتاب عمرو بن مسعدة إلينا. قال: فقرأته فإذا فيه: كتابي إلى أمير المؤمنين ومن قبلي من قواده وسائر أجناده في الانقياد والطاعة على أحسن ما يكون طاعة جند تأخرت أرزاقهم وانقياد كفاة تراخت أعطياتهم فاختلت لذلك أحوالهم والتاثت معه أمورهم فلما قرأته قال لي: إن استحساني إياه بعثني على أن أمرت للجد قبله بعطاياهم لسبعة أشهر وأنا على مجازاة الكاتب بما يستحقه من حل محله في صناعته.
وروى عن المأمون أيضاً: أنه أمر عمرو بن مسعدة أن يكتب لرجل يعنى به إلى بعض القمال وأن يختصر كتابه ما أمكنه حتى يكون ما يكتب به في سطر واحد فكتب إليه عمرو بن مسعدة: كتابي إليك كتاب واثق بمن كتبت إليه معنى بمن كتبت له ولن يضيع بين الثقة والعناية حامله.
ومن أمثلة الإيجاز في النظم قول زهير:
فإني لو لقيتك واتجهنا ... لكان لكل منكرة كفاه

الصفحة 212