كتاب سر الفصاحة
لأن مقصوده إنني لو واجهتك لكان عندي مكافأة لك على كل أمر يبدو منك أنكره فقد أورد المعنى في لفظ قليل وبهذا كان يوصف شعره زهير أنه كثير الإيجاز مع الإيضاح لمعانيه.
ومن ذلك أيضاً قول امرئ القيس:
على هيكل يعطيك قبل سؤاله ... أفانين جرى غير كز ولا وان1
لأنه جمع بقوله: أفانين جرى ما لو عد كان كثيراً وأضاف إلى ذلك أوصاف الجودة في الفرس بقوله: إنه يعطى قبل سؤاله أفانين جريه ولا يحتاج إلى حث ونفى عنه بقوله: غير كز ولا وان أن تكون معه الكزازة من قبل الجماح والمنازعة والوني من قبل الاسترخاء والفترة. فكان في هذا البيت جملة من وصف الفرس قد عبر بها عن معان كثيرة.
ومما يذكر من الإيجاز أيضاً قول امرأة من عكل: يا ابن الدعي إنه عكل:
يا بن الداعي إنه عكل فقف ... لتعلمن اليوم إن لم تنصرف
أن الكريم واللئيم مختلف
وهذا إجمال في المعنى وإيجاز في العبارة عنه.
ومن ذلك أيضاً قول الشريف الرضى:
مالوا على شعيب الرحال وأسندوا ... أيدي الطعان إلى قلوب تخفق2
لأنه لما أراد أن يصف هؤلاء القوم بالشجاعة في متابعتهم الغرام والصبابة عبر عن ذلك بقوله: أيدي الطعان فأتى بأخصر ألفاظ وأوجزها.
__________
1 الهيكل: الفرس الضخم.
2 شعب الرحال: خشبها.
الصفحة 213
315