كتاب سر الفصاحة

ومن الإيجاز أيضاً قول عمر بن معد يكرب:
فلو أن قومي أنطقتني رماحهم ... نطقت ولكن الرماح أجرت
أي شقت لساني كما يجر لسان الفصيل يريد أنها اسكتتني
ومن هذا الفن أيضاً قول حميد بن ثور الهلالي:
أرى بصرى قد خانني بعد صحة ... وحسبك داء أن تصح وتسلما
فإن قوله: وحسبك داء أن تصح وتسلما من الإيجاز الحسن. وكذلك قول نصيب.
فإن قوله: لو سكتوا اثنت عليك الحقائب من الكلام الحسن الموجز.
والأصل في مدح الإيجاز والاختصار في الكلام أن الألفاظ غير مقصودة في أنفسها وإنما المقصود هو المعاني والأغراض التي احتيج إلى العبارة عنها بالكلام فصار اللفظ بمنزلة الطريق إلى المعاني التي هي مقصودة وإذا كان طريقان يوصل كل واحد منهما إلى المقصود على سواء في السهولة إلا أن أحدهما أخصر وأقرب من الآخر فلا بد أن يكون المحمود منهما هو أخصرهما وأقربهما سلوكا إلى المقصد فإن تقارب اللفظان في الإيجاز وكان أحدهما أشد إيضاحاً للمعنى كان بمنزلة تساوى الطريقين في القرب وزيادة أحدهما بالسهولة. ومثل هذا قول أبى عبادة:
ولم أني ليلتنا في العناق ... لف الصبا بقضيب قضيبا
وقول غيره:
وضم لا ينهنهه اعتناق ... كما التف القضيب على القضيب

الصفحة 214