كتاب سر الفصاحة

وقتلهم في الحرب أعذر فترك في السلم وبه يتم المعنى.
ومنها قول الحارث بن حلزة:
والعيش خير في ظلا ... ل النوك ممن عاش كدا1
فأراد أن يقول: والعيش الناعم في ظلال النوك خير من العيش الشاق في ظلال العقل فأخل بأكثر المعنى.
ومن أمثلة ذلك في النثر ما حكاه أبو الفرج قدامة بن جعفر أن بعضهم كتب في كتاب له: فإن المعروف إذا وحى2 كان أفضل منه إذا توفر وأبطأ. فأراد أن يقول: أن المعروف إذا قل ووحا كان أفضل منه إذا كثر وأبطأن فترك ما بنى المعنى عليه وهو ذكر القلة. وكذلك كتب بعضهم: فما زال حتى أتلف ماله وهلك رجاله وقد كان ذلك في الجهاد والإبلاء أحق بأهل الحزم وأولى. فاخل بما فيه تمام المعنى وذلك أن الذي أراد: أنه أنفق ماله وأهلك رجاله في السلم والموادعة وقد كان ذلك في الجهاد أفضل فاخل بذكر السلم أو ما يقوم مقامه فصار المعنى ناقصاً.
ولحمد الإيجاز فضل أحد الشاعرين على صاحبه إذا كانا قد اشتركا في معنى وأوجز أحدهما في ألفاظه أكثر من الآخر ولهذا قدموا قول الشماخ بن ضرار:
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين3
على قول بشر بن أبي حازم:
__________
1 النوك: الجهل.
2 وحى: أسرع.
3 يريد عرابة الأوسي.

الصفحة 216