كتاب سر الفصاحة

إذا ما المكرمات رفعن يوماً ... وقصر مبتغوها عن مداها
وضاقت أذرع المثرين عنها ... سما أوس إليها فاحتواها1
وإن كان ابن أبي خازم سبق الشماخ إلى المعنى إلا أنه جاء به في بيتين واختصره الشماخ فأتى به في بيت واحد.
ومن هذا القبيل أيضاً قول امرئ القيس:
إذا ما استحمت كان فيض حميمها ... على متنتيها كالجمان لدى الجالي2
فإن امرئ القيس أتى بهذا التشبيه في بيت واحد وأخذه الوليد بن يزيد فأساء لأنه أتى به في بيتين فقال:
كأن الحميم على متنها ... إذا غرفته بأطساسها
جمان يجول على فضة ... جلته حدايد دواسها
على أن الوليد قد زاد في التشبيه بقوله: على فضة لكن بين ألفاظه وألفاظ امرئ القيس تفاوت لا يخفى.
فأما المساواة بين اللفظ والمعنى كما وصف بعض الأدباء رجلاً فقال: كانت ألفاظه قوالب لمعانيه أي هي مساوية لها لا يفضل أحدهما على الآخر وحد المساواة المحمودة هو إيضاح المعنى باللفظ الذي لا يزيد عنه ولا ينقص وقد احترزت بقولي: إيضاح مما احترزت منه في حد الإيجار لما أذهب إليه من قبح العبارة عن المعنى باللفظ الذي لا يوضحه وفرقت بين المساواة والتذييل بقولي: لا يزيد عنه لأن التذييل لفظ يزيد على المعنى وفرقت بين المساواة والإيجاز والإخلال بقولي: ولا ينقص لأن الإيجاز والإخلال لفظ ينقص عن المعنى إلا أن الفرق بين الإيجار والإخلال أن الإيجاز على ما ذكرناه إيضاح المعنى بأقل ما
__________
1 يريد أوس بن حارثة بن لام الطائي.
2 الحميم الماء الحار أو البارد.

الصفحة 217