كتاب سر الفصاحة
تصورت بني ذلك المعنى عليها فلا تكون المقدمات حصلت للمخاطب فلا يقع له فهم المعنى كالذي يريد فهم فروع الكلام والنحو وغيرهما من العلوم قبل الوقوف على الأصول التي بنيت تلك الفروع عليها.
وإذا كان هذا واضحاً فإن استعمال الألفاظ الغريبة الوحشية نقص في الفصاحة التي هي الظهور والبيان على ما قدمنا من ذلك فيما مضى من كتابنا هذا فأما استعمال الألفاظ المشتركة كالصدى فإنه يحسن في فصيح الكلام إذا كان في اللفظ دليل على المقصود مثل قول أبي الطيب:
ودع كل صوت دون صوتي فإنني ... أنا الطائر المحكى والآخر الصدى
فإن الصدا ها هنا لا يشكل بالصدى الذي هو الطعش ولا يسبق ذلك إلى فهم أحد من السامعين فأما إن كان ذلك في موضع يشكل فليس ذلك بموافق للفصاحة.
وأما السببان اللذان في التأليف وهما إفراط الإيجاز وإغلاق اللفظ فمن شروط الفصاحة والبلاغة أن يسلم الكلام منهما لما قدمناه من الدلالة على ذلك.
وأما السببان اللذان في المعاني وهما دقة المعنى في نفسه وحاجته إلى الإحاطة بأصل قد بني عليه فليس في أن يجعل المعنى الدقيق ظاهراً جلياً جله للمعبر عنه لكن يحتاج أن يحسن العبارة عنه ويبالغ في إيضاح الدلالة ليكون ما في المعنى من الدقة واللطافة بآزاء ما في العبارة عنه من الظهور والفصاحة وكذلك يحتاج السامع إلى إحكام الأصل قبل أن يقصد إلى فهم الفرع ويحتاج المخاطب إلى ذكر المقدمات إذا كان غرضه أن يفهم المخاطب كلامه.
الصفحة 222
315