كتاب سر الفصاحة
فإن قيل: فما تقولون في تأخير البيان عن وقت الخطاب أيجوز عندكم أم لا يجوز فإن منعتم من جوازه كان قولكم مطردا وأن أجزتموه فما وجه إنكاركم إغلاق اللفظ ومطالبتكم بإيضاح المعنى وبيان المراد مع قولكم بتأخير البيان عن وقت الخطاب قيل الجواب: إنا لا نذهب إلى أن كل أمر يؤثر في الفصاحة وتعتبر سلامة أعلى طبقاتها منه غير جائز في الاستعمال ولا سائغ في الكلام وكيف نقول ذلك وقد قدمنا من شروط الفصاحة أن تكون الكلمة مبنية من حروف متباعدة المخارج وغير كثيرة الحروف ومع ذلك فألفاظ العرب المبنية من الحروف المتقاربة المخارج والكثيرة الحروف أكثر من أن تحصى وقد استعملوا تلك الألفاظ في الفصيح من كلامهم وكذلك إذا قلنا من شروط الفصاحة الإيجاز لم يكن ذلك منعاً لجواز الإسهاب ولا رفضاً لاستعماله وإنما مقصودنا أن هذا النحو أحسن من هذا النحو وبهذا الوجه يستدل على الفصاحة أكثر من هذا الوجه. فإذا كان هذا بينا فلو قلنا بجواز تأخير البيان عن وقت الخطاب لم يكن ذلك مناقضاً لقولنا: إن مقارنة البيان لوقت الخطاب أحسن وإلى حيز الفصاحة والبلاغة أقرب لأن لا نتكلم في هذا الموضع على الجائز والممتنع وإنما كلامنا على الأفصح والأحسن.
على أن من منع من جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إنما علل ذلك لأنه خطاب لا يفهم منه المراد فجرى في القبح مجرى خطاب العربي بالزنجية ومن أجازه فرق بين الخطاب بالزنجية وبين تأخير البيان بأن في الخطاب مع تأخير البيان بعض الفائدة البيان بعض الفائدة والفهم للمراد كتوطين النفس على الفعل والعزم عليه إن كان الخطاب أمراً وليس في الخطاب للعربي بالزنجية ذلك. فقد وقع والإجماع على انه متى لم يفهم من الخطاب شئ كان قبيحاً.
فإن قيل: كلامكم الماضي يدل على أن في القرآن ما بعضه أفصح
الصفحة 223
315