كتاب سر الفصاحة
من بعض وفي الناس من يخالفكم ويأبى ذلك فما عندكم فيه قلنا: أما زيادة بعض القرآن على بعض في الفصاحة فالأمر منه ظاهر لا يخفى على من علق بطرف من هذه الصناعة وشدا شيئاً يسيرا1 وما زال الناس يفردون مواضع من القرى يعجبون منها في البلاغة وحسن التأليف كقوله تعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} 2. وقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} 3.
وقوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} 4.
وقوله عز وجل: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} 5.
وقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} 6. وأمثال هذا ونظائره كثير.
فلو كانوا يذهبوا إلى تساويه في الفصاحة لم يكن لإفرادهم هذه المواضع المعينة المخصوصة دون غيرها معنى وإنما تدخل الشبهة في هذا ومثله على الأعاجم من الفقهاء والمتكلمين لجهلهم بهذه الصناعة وعدم فهمهم لقوانينها. فإن من عجيب أمرهم أن أحدهم إذا حاول ابتياع ثوب أو دابة وعلم أن غيرهن أخبر بذلك الجنس منه لم يرض بمقدار علمه حتى يرجع إلى من تظن معرفته بالثياب أو الدواب فيستفتيه ويقلده ويقبل رأيه كل ذلك خوفاً من أن يستمر عليه الغبن في شئ من ماله وإذا وصل إلى الكلام في كتاب الله تعالى ووجه
__________
1 يقال شدا شعرا أو غناء إذا غنى به وترنم.
2 سورة هود الآية 44.
3 سورة البقرة الآية 187.
4 سورة فصلت الآية 34.
5 سورة سبا الآية 51.
6 سورة البقرة الآية 179.
الصفحة 224
315