كتاب سر الفصاحة

إعجازه ما هو وهل هو صرف العرب عن معارضته أو علوه عن كلامهم بفصاحته وكان ذلك يحتاج إلى صناعة لا يفهمها وعلوم لا يعرف شيئاً منها لم ير أن يرجع إلى أقوال العلماء بتلك الصناعة والمهتمين بفهم أسرار تلك العلوم. بل قال بغير حجة وأفتى من غير معرفة ورضي أن يغبن عقله ودينه من الموضع الذي تحرز فيه وأشفق أن يغبن شيئاً من ماله. وليت شعري أي فرق بين أن يخلق الله وجهين أحدهما أحسن وأصبح من الآخر وبين أن يحدث كلامين أحدهما أبلغ وأفصح من الآخر وهل من يفرق بينهما إلا مقترح.
ثم ليس أحد ممن ينكر أن يكون بعض القرآن أفصح من بعض يتمنع من القطع على أن القرآن في لغته أفصح من التوراة في لغتها والإنجيل في لغته والزبور في لغته لأن تلك الكتب عنده لم تكن معجزة لخرقها العادة بالفصاحة وإن كان الجميع كلام الله تعالى. فما المانع من أن يكون بعض كلامه الذي هو القرآن أفصح من بعض حتى تكون آية منه أفصح من آية والجميع كلام الله كما جاز عنده أن يكون القرآن أفصح من الإنجيل وإن كان الجميع كلام الله وهذا لا يخفى على محصل.
فإن قيل: الذي يمنع أن يكون بعض القرآن أفصح من بعض. القول بأن قدر كل سورة من قصار سور المفضل منه قد خرق العادة في الفصاحة بفصاحته وكان معجزاً لعلوه في الفصاحة وما كان خارفاً للعادة. في الفصاحة لا يكون غيره أفصح منه. قيل: الجواب عن هذا أولا أن الصحيح أن وجه الإعجاز في القرآن هو صرف العرب عن معارضنته وأن فصاحته قد كانت في مقدورهم لولا الصرف وهذا هو المذهب الذي يعول عليه أهل هذه الصناعة وأرباب هذا العلم وقد سطر عليه من الأدلة ما ليس هذا موضع ذكره فالسؤال على هذا

الصفحة 225