كتاب سر الفصاحة
يكون شعره مفهوماً واضحاً يسبق معناه لفظه فكان هذا من أبي العميثل كلاماً صحيحاً في موضعه وطلب أبو تمام من أبي العميثل إذ كان يدعى علم الشعر ويتحقق بالأدب ويخدم عبد الله بن طاهر في اعتراض قصائد الشعراء وترتيبهم على مقدار ما يستحقه كل منهم بحظه من الصناعة أن يكون يفهم معاني الشعر ويطلع على الغامض والظاهر منها وكان هذا من أبي تمام أيضاً كلاماً صحيحا وكانا فيه بمنزلة من يقول لصاحبه لم فعلت ذلك الفعل وهو قبيح.
فيقول كما فعلت أنت ذلك الفعل الآخر وهو قبيح فيكون كل واحد منهما قد أجاب من طريق الجدل وإن كان لم يدل على أنه أصاب وأخطأ صاحبه.
وإذا كان هذا مفهوماً فأمثله الكلام الذي يظهر معناه ولا يحتاج إلى الفكر في استخراجه كثيرة وعامة شعر أبي عبادة البحتري عليه فأمام الذي يسأله عن معناه ويفكر في فهمه فكالأبيات التي من شعر أبي الطيب المتنبي وقد نعاها عليه الصاحب أبو القاسم بن عباد رحمه الله وكان يسميها رقى العقارب والناس إلى اليوم مختلفون في معاني بعضها وكل يذهب إلى فن ويسبق خاطره إلى غرض كقوله:
ذم الزمان إليه من أحبته ... ماذم من بدره في حمد أحمده
وقوله:
عيون رواحلي إن جزت عيني ... ولك بغام رازحة يغامي1
فأما غير ذلك مما قد فهم معناه ولم يختلف فيه إلا أنه مع ذلك لا يخرج إلا بطرف من الفكر فكقوله:
__________
1 الرازحة: الناقة تسقط من التعب والإعياء.
الصفحة 228
315