كتاب سر الفصاحة
ضرورة فيكون في ذكر التابع دلالة على المتبوع وهذا يسمى الإرداف والتتبيع لأنه يؤتى فيه بلفظ هو ردف اللفظ المخصوص بذلك المعنى وتابعه والأصل في حسن هذا أنه يقع فيه من المبالغة في الوصف ما لا يكون في نفس اللفظ المخصوص بذلك المعنى ومثاله قول عمر بن أبي ربيعة:
بعيدة مهوى القرط إما لنوفل ... أبوها وإما عبد شمس وهاشم1
فإنه إنما أراد أن يصف هذه المرأة بطول العنق فلو عبر عن ذلك باللفظ الموضوع له لقال طويلة العنق فعدل عن ذلك وأتى بلفظ يدل عليه وليس هو الموضع له. فقال: بعيدة مهوى القرط فدل بعد مهوى قرطها على طول الجيد وكان في ذلك من المبالغة ما ليس في قوله: طويلة العنق لأن بعد مهوى القرط يدل على طول أكثر من الطول الذي يدل عليه طويلة العنق لأن كل بعيدة مهوى القرط طويلة العنق وليس كل طويلة العنق بعيدة مهوى القرط إذا كان الطول في عنقها يسيرا وهذا موضع يجب فهمه.
ومنه قول امرئ القيس:
وتضحى فتيت المسك فوق فراشها ... نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل2
فإنه لما أراد أن يصف ترفه هذه المرأة ونعمتها. قال: نؤوم الضحى يبقى فتيت المسك فوق فراشها لم تنتطق لتخدم نفسها فعبر بذلك عن غناها وترفهها وخفص عيشها وأتى بألفاظ تدل على ذلك أبلغ مما يدل عليه قوله: إنها غنية مرفهة.
__________
1 نوفل وعبد شمس وهاشم من أشراف قريش وهاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم.
2 لم تنطق: لم تشد نطاقا للعمل ومن تفضل: عن ثوب نوم أي بعده.
الصفحة 230
315