كتاب سر الفصاحة

فأوجرته أخرى فأضللت نصله ... بحيث يكون اللب والرعب والحقد1
لأنه أراد القلب فلم يعبر عنه باسمه الموضوع له وعدل إلى الكناية عنه بما يكون اللب والرعب والحقد فيه وكان ذلك أحسن لأنه إذا ذكره بهذه الكنايات كان قد دل على شرفه وتميزه عن جميع الجسد بكون هذه الأشياء فيه وأنه أصاب هذا المرمى في أشرف موضع منه. ولو قال: أصبته في قلبه لم يكن في ذلك دلالة على أن القلب أشرف أعضاء الجسد فعلى هذا السبيل يحسن الإرداف.
ومما يجرى مجرى قول أبي عبادة قول غيره: 2
الضاربين بكل أبيض مخذم ... والطاعنين مجامع الأضغان
وفيما ذكرناه كفاية في الدلالة على كل ما هو من هذا الجنس.
ومن نعوت الفصاحة والبلاغة: أن يراد معنى فيوضح بألفاظ تدل على مغنى آخر وذلك المعنى مثال للمعنى المقصود وسبب حسن هذا مع ما يكون فيه من الإيجاز أن تمثيل المعنى يوضحه ويخرجه إلى الحس والمشاهدة وهذه فائدة التمثيل في جميع العلوم لأن المثال لا بد من أن يكون أظهر من الممثل فالغرض بإيراده إيضاح المعنى وبيانه ومن هذا الفن قول الرماح بن ميادة:
ألم تك في يمنى يديك جعلتني ... فلاتجعلني بعدها في شمالكا
فأراد: أني كنت عندك مقدما فلا تؤخرني ومقربا فلا تبعدني.
__________
1 هذا البيت من قصيدة له يذكر فيها قتله للذئب.
2 عمر بن معد يكرب.

الصفحة 232