كتاب سر الفصاحة
والمواضعة والمعاني ليس فيها شئ من ذلك. وإنما معيارها العقل والعلم وصفاء الذهن في الوجود وهي أربعة مواضع الأول وجودها في أنفسها والثاني وجودها في إفهام المتصورين لها والثالث وجودها في الألفاظ التي تدل عليها. والرابع وجودها في الخط الذي هو أشكال تلك الألفاظ المعبر بها عنه وإذا كان هذا مفهوماً فإنا في هذا الموضع إنما نتكلم على المعاني من حيث كانت موجودة في الألفاظ التي تدل عليها دون الأقسام الثلاثة المذكورة ثم ليس نتكلم عليها من حيث وجدت في جميع الألفاظ بل من حيث توجد في الألفاظ المؤلفة المنظومة على طريقة الشعر والرسائل وما يجرى مجراهما فقط إذ كان ذلك هو مقصودنا في هذا الكتاب.
وإذا بان هذا فإن الأوصاف التي تطلب من هذه المعاني: هي الصحة والكمال والمبالغة والتحرز مما يوجب الطعن والاستدلال بالتمثيل والتعليل وغيرهما وسنذكر من أمثلة ذلك ما يعرب عن قصدنا ويوضح مرادنا.
أما الصحة في التقسيم: فإن تكون الأقسام المذكورة لم يخل بشئ منها ولا تكررت ولا خدل بعضها تحت بعض ومثال هذا في النظم قول نصيب:
فقال فريق القوم لا وفريقهم ... نعم! وفريق قال ويحك ما ندري
فليس في أقسام الإجابة عن مطلوب إذا سئل عنه غير هذه الأقسام ومنه قول الشماخ يصف صلابة سنابك الحمار وشدة وطئه الأرض:
متى ما تقع أرساغه مطمئنة ... على حجر يرفض أو يتدحرج
فليس في أمر الوطء الشديد إلا أن يكون الذي يوطأ رخوا فيرض أو صلباً فيندفع.
الصفحة 235
315