كتاب سر الفصاحة

يناقض في بيتين ولم يختلفوا في أن البيت إذا ولى البيت وكان معنى كل واحد منهما متعلقاً بالآخر فلن يجوز أن يكون في أحدهما ما يناقض الآخر وإنما أجازوا ذلك مع عدم الاتصال والتعلق على أن تجتنب هذا في القصيدة - وإن كانوا قد أجازوه - أحسن وأولى.
وقد قال أبو عثمان الجاحظ: إن العرب تمدح الشئ وتذمه لكنهم لا يمدحون الشيء من الوجه الذي يذمونه به. وما أحسن ما قال أبو عثمان: لعمري أنهم على ذلك يتصرف قولهم وإن أبا تمام لما وصف يوم الفراق بالطول فقال:
يوم الفراق لقد خلقت طويلا ... لم تبق لي جلداً ولا معقولا
قالوا الرحيل فما شككت بأنها ... نفسي من الدنيا تريد رحيلا
علل طوله بما لقي فيه من الوجد لرحيل أحبابه عنه وأبو عبادة لما وصفه بالقصر فقال:
ولقد تأملت الفراق فلم أجد ... يوم الفراق على امرئ بطويل
قصرت مسافته على متزود ... منه لدهر صبابة وغليل
علل قصره بأنه اجتمع فيه بمن يحبه للوداع وتزود منه لأيام البعد عنه. فهما وإن كان كل واحد منهما قد خالف صاحبه في مدح الفراق وذمه فقد ذكر لما ذهب إليه وجهاً يصح به وعلى هذا الطريق يحسن وقوع الخلاف في أغراض الشعراء إلا أن يكون أحد القولين صحيحاً والآخر فاسداً.
فأما المتناقض في العشر فكقول عبد الرحمن بن عبد الله القس:
أرى هجرها والقتل مثلين فأقصروا ... ملامكم فالقتل أعفى وأيسر
فقال هذا الشاعر: إن الهجر والقتل مثلان ثم سلبهما ذلك

الصفحة 240