كتاب سر الفصاحة
فيقال كيف يجوز أن يسلو وهو حزين يتذكر وقد قرأت هذا البيت عليه في جملة شعره ولم أسأله عنه والذي يحتمل عندي من التأويل أنه أراد بالسلو ها هنا اليأس ورفض الطمع فكأنه قال: قد يئست من الطمع للشباب كما أيس غيري ولكني حزين عليه أتذكره وهذا وجه قريب.
وذهب أبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب إلى تناقض قول أبي نواس في صفة الخمر:
كأن بقايا ما عفا من حبابها ... تفاريق شيب في سواد عذار
تردت به ثم انفرى عن أديمها ... تفرى ليل عن بياض نهار1
وقال: إنه وصف في البيت الأول الحباب بالبياض حين شبهه بالشيب ولن يشبه الشيب في شئ إلا في بياضه ووصف الخمر بالسواد حين شبهها بسواد العذار ثم وصف الحباب في البيت الثاني بالسواد حين شبهه يتفرى الليل ووصف الخمر بالبياض حين قال بياض نهار وكون كل واحد من الحباب والخمر أسود وأبيض مستحيل.
وقد سأل أو الفرج نفسه فقال أن قيل: إنه لم يصف الحباب في البيت الثاني بالسواد وإنما شبهه بالليل في تفريه وانحساره عن النهار دون نفس اللون. وأجاب عن هذا: بأن أبا نواس قد صرح بأنه لم يرد غير اللون فقط لقوله عن بياض نهار. وفي هذا الشعر نظر وتأمل ليس هذا موضع تقصيه وإنما الغرض هنا التمثيل.
وقد فرق بين المستحيل والممتنع: بأن المستحيل هو الذي لا يمكن وجوده ولا تصوره في الوهم مثل كون الشئ أسود أبيض وطالعاً نازلاً فإن هذا لا يمكن وجوده ولا تصوره في الوهم والممتنع هو:
__________
1 تردت به: اتخذته رداء وتفرى: تشقق وانشق.
الصفحة 243
315