كتاب سر الفصاحة

الذي يمكن تصوره في الوهم وإن كان لا يمكن وجوده مثل أن يتصور تركيب بعض أعضاء الحيوان من نوع في نوع آخر منه كما يتصور يد أسد في جسم إنسان فإن هذا وإن كان لا يمكن وجوده فإن تصوره في الوهم ممكن وقد يصح أن يقع الممتنع في النظم والنثر على وجه المبالغة ولا يجوز أن يقع المستحيل البتة فأما قول أبي عبادة:
لما مدحتك وأفاني نداك على ... أضعاف ظني فلم أظفر ولم أخب
فليس هذا من المتناقض لأنه من جهتين على ما ذكرناه فيما تقدم ألا ترى أن معناه لم أظفر بنفس ما ظننته لأنك زدت عليه فكأن ظنى لم يصدق لأنه لو صدق لكان وقع على ما ظننته بعينه من غير زيادة عليه ولم أخب لأنك قد أعطيتني ومن أعطى فما خاب وهذا صحيح واضح.
ومن المتناقض على طريق المضاف قول عبد الرحمن بن عبد الله القس:
وإني إذا ما الموت حل بنفسها ... يزال بنفسي قبل ذاك فأقبر
لأنه وضع هذا القول وضع الشرط وجعل جوابه يزال بنفسي. ثم قال: قبل ذاك فكأنه قال أن نفسي تزول بعد نفسها وقبلها وهذا مثل قول القائل: إذا دخل زيد الدار دخل عمرو قبله وذلك متناقض.
وقد ذهب أبو القاسم الآمدي إلى مناقضة أبي تمام في قوله:
الرزق لا تكمد عليه فإنه ... يأتى ولم تبعث إليه رسولا
وقوله بعده في صفة الناقة:
لله درك أي معبر قفرة ... لا يوحش أنب البيضة ألا جفيلا

الصفحة 244