كتاب سر الفصاحة
بنت القفار متى تخدبك لا تدع ... في الصدر منك على الفلاة غليلا1
قال: لأنه صرح في البيت الأول بذكر القعود عن طلب الرزق وأتبعه في البيت الثاني بلا فصل بذكر الناقة وصفتها والرحيل عليها فكان ذلك مناقضة ظاهرة.
ومن الصحة أن لا يضع الجائز موضع الممتنع فإنه يجوز أن يضع الممتنع موضع الجائز إذ كان في ذلك ضرب من الغلو والمبالغة ولا يحسن أن يوضع الجائز موضع الممتنع لأنه لا علة لجواز ذلك وهو ضد ما يحمد من الغلو والمبالغة في الشعر. ومن أمثلة هذا قول الشاعر:2
وإن صورة راقتك فاخبر فربما ... أمر مذاق العود والعد أخضر
فبنى الكلام على أن العود في الأكثر يكون حلواً بقوله: فربما وليس الأمر كذلك بل العود الأخضر في الأكثر من وكأن هذا الشاعر وضع الأكثر موضع الأقل وذلك غلط في المعنى.
ومنه ما أنكره أبو القاسم الآمدي على أبي تمام في قوله يمدح الواثق بالله.
جعل الخلافة فيه رب قوله ... سبحانه للشيء كن فيكون
قال: لأن مثل هذا إنما يقال في الأمر العجب الذي لم يكن يقدر ولا يتوقع ولا يظن إنه مثله يكون فيقال إذا وقع ذلك قدرة قادرة واحد وفعل من لا يعجزه أمر وتلك واحد ومن يقول للشئ كن فيكون فأما الأمور التي لا يتعجب منها ولا تستغرب والعادات جارية بها وبما أشبهها فلا يقال فيها مثل هذا وإنما يسبح الله تبارك وتعالى وتذكر قدرته على تكوين الأشياء لو جاؤا بأبي العبر أو بجحا فجعلوه خليفة. فأما الواثق
__________
1 المعبر: ما يعبر به وابن البيضة: النعام والاجفيل: السريع المر الخفيف.
2 هو الخالد بن صفوان.
الصفحة 245
315