كتاب سر الفصاحة
فما وجه تسبيح أبي تمام في أن أفضت الخلافة إليه وأبوه المعتصم وجده الرشيد وجد أبيه المهدي وجد جده المنصور وأخو جد جده السفاح وعماه خليفتان الأمين والمأمون وعم أبيه الهادي فذلك ثمانية خلفاء هو تاسعهم. وهذا الذي ذكره أبو القاسم صحيح واضح.
ومن الصحة: صحة التشبيه وهو أن يقال أحد الشيئين مثل الآخر في بعض المعاني والصفات ولن يجوز أن يكون أحد الشيئين مثل الآخر من جميع الوجوه حتى لا يعقل بينهما تغاير البتى لأن هذا لو حاز لكان أحد الشيئين هو الآخر بعينه وذلك محال. وإنما الأحسن في التشبيه أن يكون أحد الشيئين يشبه الآخر في اكثر صفاته ومعانيه وبالضد حتى يكون ردئ التشبيه ما قل شبهه بالمشبه به.
وقد يكون التشبيه بحروفه كالكاف وكأن وما يجرى مجراهما وقد يكون بغير حرف على ظاهر المعنى ويستحسن ذلك لما فيه من الإيجاز.
والأصل في حسن التشبيه: أن يمثل الغائب الخفي الذي لا يعتاد بالظاهر المحسوس المعتاد فيكون حسن هذا لأجل إيضاح المعنى وبيان المراد أو يمثل الشئ بما هو أعظم وأحسن وأبلغ منه فيكون حسن ذلك لأجل الغلو والمبالغة.
ومما ورد في القرآن من ذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} 1.
وقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ} 2. وقوله
__________
1 سورة النور الآية 39.
2 سورة إبراهيم الآية18.
الصفحة 246
315