كتاب سر الفصاحة

تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} 1 وقوله تعالى: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} 2.
وقوله جل وعز: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} 3 وقوله تبارك وتعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} 4. وقوله جل وعز: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ} 5.
وهذه التشبيهات كلها على ما بيناه من تشبيه الخفي بالظاهر المحسوس والذي لا يعتاد بالمعتاد لما في ذلك من البيان إلا قوله تبارك وتعالى: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ} 6.
فانه شبه الشئ بما هو أعظم منه على وجه المبالغة.
ومن التشبيه في العشر قول النابغة الذبياني:
فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
وهذا التشبيه يجمع المقصودين من الظهور والمبالغة وأما الظهور فلأن علم الناس بأن الليل لا بد من إدراكه له أظهر من علمهم بأن النعمان لا بد من إدراكه له وأما المبالغة فإن تشبيهه بالليل الذي لا يصددونه حائل أعظم وأفخم وأبلغ في المدح.
__________
1 سورة يونس الآية 24.
2 سورة الرحمن الآية 37.
3 سورة الجمعة الآية 5.
4 سورة العنكبوت الآية 41.
5 سورة الرحمن الآية 24.
6 سورة الرحمن الآية 24.

الصفحة 247