كتاب سر الفصاحة
ومن التشبيه أيضاً قول يزيد بن عوف العليمي يذكر صوت جرع رجل قراه اللبن:
فعب دخالا جرعه متواتر ... كوقع السحاب بالطراف الممدد
وهذا تشبيه جيد لأنه شبه صوت اللبن على عصب المرئ من حلق الإنسان بصوت المطر على الخباء المصنوع من الأدم وذلك من أصح التشبيه لأن المرئ من جنس الأدم واللبن من جنس الماء فصوتاهما متشابهان لأن السبب في اختلاف الأصوات تخالف الأجسام التي تحدث فيها والغرض في هذا التشبيه المبالغة.
ومن التشبيه المختار قول امرئ القيس: كأن قلوب الطير رطباً ويابساً لدى وكرها العناب والحشف البالي وهذا من التشبيه المقصود به أيضا الشيء لأن مشاهد العناب والحشف البالي1 أكثر من مشاهد قلوب الطير رطبة ويابسة. وروى عن بشار بن برد إنه قال: ما زلت منذ سمعت بيت امرئ القيس هذا اطلب أن يقع لي تشبيهان في بيت واحد حتى قلت:
كأن مثار النقع فوق رؤسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه2
فشبهن النقع بالليل والسيوف بالكواكب وهذا تشبيه للمبالغة والتفخيم ومن التشبيه المختار قول عدى بن الرقاع العاملي:
وكأنها بين النساء أعارها ... عينيه أحور من جاذر جاسم
وسنان أقصده النعاس فرنقت ... في عينه سنة وليس بنائم3
__________
1 العناب: شجر حبة كحب الزيتون أحمر وطعمه لذيذ. الحشف: أردأ التمر.
2 النقع: الغيار متضمنة معنى مع وليست لمحض العطف لأنه تشبيه مركب لا متعدد.
3 أقصده النعاس: كسر من عينيه ورنق النوم في عينيه: غشيهما.
الصفحة 248
315