كتاب سر الفصاحة
فأسبلت لؤلؤا من نرجس وسقت ... ورداً وعضت على العناب بالبرد
وقول أبي إسحاق الصابي يصف الطير التي تصاد بالبندق محمولة على حكم الكفار إذ يقتلون ومصيرهم إلى النار.
ومما يحتاج إليه التشبيه: أن يكون الأمر المشبه به واقعاً مشاهداً معروفاً غير مستنكر ليوافق ذلك المقصود بالتشبيه والتمثيل من الإيضاح والبيان ولهذا عاب نصيب على الكميت قوله:
كأن الغطامط من غليها ... أراجيز أسلم تهجو غفارا1
وقال له: أخطأت ما هجت أسلم غفارا قط وأراد نصيب من الكميت أن يكون شبه بشئ واقع معروف وهذا كما يقال: كان مناقضة فلان وفلان مناقضة جرير والفرزدق. فيكون هذا الكلام صحيحاً. ولو قيل: كأن مناقضتهما مناقضة الأحوص وعمر بن أبي ربيعة لم يكن ذلك التشبيه صحيحاً. إذ كان المشبه به لم يقع وعلى هذا أكره قول علقمة ابن عبدة:
كأن إبريقهم ظبى على شرف ... مقدم بسبا الكتان ملثوم2
على أن يكون مقدم من صفة الظبي لأن الظبي لا يكون مقدماً بسب الكتان ملثوما فكأن التشبيه وقع بما لا يشاهد ولا يعرف وإن كان المقدم راجعاً إلى الإبريق فذلك صحيح.
__________
1 الغطامط: صوت غليان القدر.
2 شرف: المكان المشرف ومفدم: من الفدام وهو مصفاة صغيرة أو خرقة تجعل على فم الإبريق ليصفي بهما ما فيه وسبا الكتان: سبائبه مفردها سبيبة وهي الشقة البيضاء وملثوم: جعل له كاللثام.
الصفحة 253
315