كتاب سر الفصاحة
وكذلك قول الحكم لعله عبد الرحمان بن الحكم وليحقق:
كانت بنو غالب لأمتها ... كالغيث في كل ساعة يكف
فإن العادة لم تجر بأن الغيث يكف في كل ساعة وإن كان هذا البيت يحتمل من التأويل أن يكون معناه كان هؤلاء القوم كالغيث إلا أنه غيث يكف كل ساعة وإن لم يدل لفظه على هذا المعنى دلالة واضحة.
ومن هذا الفن. قول أيمن: 1
فإننا قد وجدنا أم بشر ... كأم الأسد مذكاراً ولودا
لأن أم الأسد ليست كذلك.
وأما ردى التشبيه فكقول المرار:
وخال على خديك يبدو كأنه ... سنا البدر في دعجاء باد دجونها2
لأن الخدود بيض والمتعارف أن يكون الخال أسود فتشبيه الخدود بالليل والخال بضوء البدر تشبيه ناقض للعادة.
فإن قيل: قد مضى في كلامكم أن المشبه به يجب أن يكون معروفاً واضحاً أبين من الشئ الذي يشبه فما تقولون في قوله تعالى في شجرة الزقوم: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} 3 ورؤوس الشياطين غير مشاهدة.
قيل: إن الزقوم غير مشاهد ورؤس الشياطين غير مشاهدة إلا أنه قد استقر في نفوس الناس من قبح الشياطين بما صار بمنزلة المشاهد كما استقر في
__________
1 هو أيمن بن خزيم في مدرج بشر بن مروان.
2 دعجاء: سوداء ودجونها: سوادها.
3 سورة الصافات الآية 64.
الصفحة 254
315