كتاب سر الفصاحة

نفوسهم من حسن الحور العين ما صار بمنزلة المشاهد حتى أنهم إذا شبهوا وجهاً بوجه الحور كان تشبيها صحيحاً وإن كانت الحور لم تشاهد ولم يستقر في نفوسهم قبح طلع الزقوم كما استقر في نفوسهم قبح رؤوس الشياطين فكأن المشبه به أوضح وفي رؤوس الشياطين أيضاً من المبالغة في القبح ما ليس في طلع الزقوم. وقد قيل في بعض التفاسير: إن الشياطين هنا الحيات.
وعلى هذا القول يسقط السؤال لأن الحيات مشاهدة.
ومن ظريف التشبيه قول ابن هرمة:
وإن وتركي ندى الأكرمين ... وقدحي بكفي زناداً شحاحا1
كتاركة بيضها بالعر اء ... وملبسة بيض أخرى جناحا
وقول الفرزدق:
وإنك إذ تهجو تميما وترتشى ... سرابيل قيس أو سحوق العمائم2
كمهريق ماءٍ بالفلاة وغره ... سارب أذاعته رياح السمائم3
فإن بيت ابن هرمة الثاني يليق بييت الفرزدق الأول وبيت الفرزدق الثاني يليق ببيت ابن هرمة الأول حتى أن ابن هرمة لو قال:
وإني وتركي ندى الأكرم ... ين وقدحي بكفي زناداً شحاحاً
كمهريق ماء بالفلاة وغره ... سراب أذاعته رياح السمائم
والفرزدق لو قال:
وإنك إذ تهجو تميما وترتشي ... سرابيل قيس أوسحوق العمائم
__________
1 زناد شحاح: لا تورى.
2 السحوق: جمع سحق وهو الخلق البالي.
3 السمائم: جمع سموم وهي الريح الحارة.

الصفحة 255