كتاب سر الفصاحة

لأن الوجه الجيل يزيد في الهيبة ويتيمن به ويدل على الخصال المحمودة وهذا الذي ذكره أبو القاسم صحيح. ولو لم يكن في ذلك إلا ما قد جبلت النفوس عليه من الميل إلى الوجوه الحسان لكفى وأغنى فإن كان قدامة يعتقد أن ذاك ليس بفضيلة لما كان الإنسان قد خلق عليه فهذا حكم جميع الفضائل النفسانية فإن الكريم قد خلق كريما والشجاع شجاعا والعاقل عاقلا وكما لا يقدر القبيح الوجه على أن يستبدل صورة غير صورته كذلك لا يقدر الجاهل على أن يستفيد عقلاً فوق عقله. ويلزم قدامة لآن لا يجيز المدح بشرف النفس النسب وكرم الأصل لأن ذلك أيضاً يجرى مجرى الصور. ولا صنيع للممدوح في شئ منهما والأمر في هذا ظاهر.
فأما إنكار عبد الملك بن مروان على ابن قيس الرقيات مدحه له بالتاج فإنما أنكره لأن التيجان كانت من زي ملوك العجم ولم يكن خلفاء العرب يعرفونها فقال له: تمدحني كما تمدح ملوك الأعاجم وتمدح مصعباً كما تمدح الخلفاء. والأمر على ما قال عبد الملك لأن مدح الخليفة بأنه شهاب من الله تعالى أبلغ من مدحه باعتدال التاج فوق مفرقه. وهذا كما أنكر على كثير قوله فيه:
على ابن أبي العاصي دلاص حصينة ... أجاد المسدي نسجها فأذالها1
وقال قول الأعشى:
كنت المقدم غير لابس جنة ... بالسيف تضرب معلماً أبطالها2
أحسن من قولك فأراد عبد الملك في الموضعين المبالغة ومدحه بالأفضل والأحسن.
__________
1 دلاص: درع فأذالها: جعل لها ذيلا.
2 يمدح به قيس بن معد يكرب.

الصفحة 266