كتاب سر الفصاحة
ومن الصحة: صحة المقابلة في المعاني وهو أن يضع مؤلف الكلام معاني يريد التوفيق بين بعضها وبعض والمخالفة فيأتي في الموافق بما يوافق وفي المخالف بما يخالف على الصحة والأصل في هذه المناسبة فإن لها تأثيراً قوياً في الحسن ومن أمثله ذلك في النظم قول الطرماح:
أسرناهم وأنعمنا عليهم ... وأسقينا دماءهم الترابا
فما صبروا لبأس عند حرب ... ولا ادوا لحسن يد ثوابا
وهذه مقابلة صحيحة
ومن ذلك أيضاً قول الآخر:
جزى الله خيراً ذات بعل تصدقت ... على عزب حتى يكون له أهل
فإنا سنجزيها بمثل فعالها ... إذا ما تزوجنا وليس لها بعل
وهذه أيضاً مقابلة صحيحة.
لأنه جعل في مقابلة أن تكون المرأة ذات بعل وهو لا زوج له أن يكون هو ذا زوج وهي لا بعل لها وقابل حاجته وهو عزب بحاجتها وهي عزبة.
ومن أمثلة ذلك في النثر قول أبي إسحاق الصابي: وأن يخلد في بطون الصحائف غلطنا وغلطك في إحساننا وإساءتك وحفظنا وإضاعتك وكتب بعضهم في كتاب له: ولو أن الأقدار إذ رمت بك من المراتب إلى أعلاهنا بلغت من أفعال السؤدد إلى ما وازاها فوازيت بمساعيك مراقيك وعادلت النعمة بك بالنعمة فيك ولكنك قابلت سمو الدرجة بدنو الهمة ورفيع الرتبة بوضيع الشيمة فعاد علوك بالاتفاق إلى حال دنوك بالاستحقاق وصار جناحك في الانتهاض إلى مثل ما
الصفحة 267
315