كتاب سر الفصاحة
عليه قدرك في الانخفاض ولا لوم على القدر أذنت فيك وأناب وغلط فعاد إلى الصواب وهذا كلام معانيه متقابلة على الصحة ومن ذلك قول هند بنت النعمان: شكرتك يد نالتها خصاصة بعد نعمة ولا ملكتك يد نالت ثروة بعد فاقة.
فأما فساد المقابلة فكقول أبي عدى القرشي:
يا ابن خير الأخيار من عبد شمس ... أنت زين الدنا وغيث الجنود
فليس غيث الجنود مقابلاً لزين الدنيا ولا موافقاً.
ومن الصحة: صحة النسق والنظم وهو أن يستمر في المعنى الواحد وإذا أراد أن يستأنف معنى آخر أحسن التخلص إليه حتى يكون متعلقاً بالأول وغير منقطع عنه ومن هذا الباب خروج الشعراء من النسيب إلى المدح فإن المحدثين أجادوا التخلص حتى صار كلامهم في النسيب متعلقاً بكلامهم في المدح لا ينقطع عنه فأما العرب المتقدمون فلم يكونوا يسلكون هذه الطريقة وإنما كان أكثر خروجهم من النسيب إما منقطعاً وإما مبنياً على وصف الإبل التي ساروا إلى الممدوح عليها ومما يستحسن من خروج المحدثين قول أبي عبادة البحتري يصف الروض:
شقائق يحملن الندى فكأنه ... دموع التصابي في خدود الخرائد
كأن يد الفتح بن خاقان أرفلت ... تليها بتلك البارقات الرواعد1
وقوله:
ولو أنني أعطيت فيهن المنى ... لسقيتهن بكف إبراهيما2
__________
1 أرفلت: من الرفل وهو التبختر.
2 هو من قصيدة له في مدح إبراهيم بن الحسن بن سهل,
الصفحة 268
315