كتاب سر الفصاحة
فإن هذا الشاعر لما قدم في البيت الأول الظلم وبغى العدى كان الوجه في التفسير أن يأتي في البيت الثاني بما يليق به فأتى بالضياء بإزاء الظلم وذلك صواب وكان يجب أن يأتي بازاء بغى العدى بالنصرة أو العصمة أو ما جرى مجرى ذلك فلما جعل مكانه ذكر الندى كان التفسير فاسداً. وأما كمال المعنى: وهو أن تستوفي الأحوال التي تتم بها صحته وتكمل جودته وذلك مثل قول نافع بن خليفة الغنوي:
رجال إذا لم يقبل الحق منهم ... ويعطوه لاذوا بالسيوف القواضب
فتمم المعنى بقوله: ويعطوه لأنه لو اقتصر على قوله إذا لم يقبل الحق منهم عاذوا بالسيوف كان المعنى ناقصاً.
ومن أمثلة ذلك في النثر قول بعضهم: فحلقت به أسباب الجلالة غير مستشعر فيها النخوة وترامت به أحوال الصرامة غير مستعمل معها السطوة هذا مع دماثة في غير حصر ولين جانب من غير خور. فكمل المعنى في هذا الكلام لأن من كمال الجلالة أن تزول عنها النخوة وكمال الصرامة أن تسلم من السطوة وتمام الدماثة أن تكون بغير حصر ولين الجانب أن يكون من غير خور ومن هذا الجنس قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الوالي: يجب أن يكون معه شدة في غير عنف ولين في غير ضعف.
وأما المبالغة في المعنى والغلو: فإن الناس مختلفون في حمد الغلو وذمه فمنهم من يختاره ويقول أحسن الشعر أكذبه ويستدل بقول النابغة وقد سئل من أشعر الناس فقال: من استجيد كذبه وأضحك رديئة.
وهذا هو مذهب اليونانيين في شعرهم. ومنهم من يكره الغلو والمبالغة التي تخرج إلى الإحالة ويختار ما قارب الحقيقة ودانى الصحة ويعيب قول أبي نواس:
الصفحة 271
315