كتاب سر الفصاحة
وأخفت أهل الشرك حتى إنه ... لتخافك النطف التي لم تخلق
لما في ذلك من الغلو والإفراط الخارج عن الحقيقة والذي أذهب إليه المذهب الأول في حمد المبالغة والغلو لأن الشعر مبنى على الجواز والتسمح لكن أرى أن يستعمل في ذلك كاد وما جرى في معناها ليكون الكلام أقرب إلى حيز الصحة كما قال أبو عبادة:
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا ... من الحسن حتى كاد أن يتكلما
وقال أبو الطيب:
يطمع الطير فيهم طول أكلهم ... حتى تكاد على أحيائهم تقع
فهذان البيتان تضمنا غلواً لكن لما جاءت فيهما كاد قربتهما إلى الصحة.
وأما المبالغة بغير كاد فكقول أبي العلاء وأحمد بن عبد الله بن سليمان:
ونبالة من بحتر لو تعمدوا ... بليل أناسي النواظر لم يخطوا1
وقول النمر يصف السيف:
تظل تحفر عنه إن ضربت به ... بعد الذراعين والساقين والهادي2
وقول النابغة:
تقد السلوقي المضاعف نسجه ... ويوقدن بالصفاح نار الحباحب3
__________
1 نبالة: رامون بالنبال ولم يخطوا: لم يخطئوا.
2 الهادي: العنق.
3 السلوقي: درع ينسب إلى سلوقمن بلاد الروم أو اليمن والمضاعف: المنسوج حلقتين والصفاح: حجارة عراض والحباحب: ذباب له شعاع بالليل.
الصفحة 272
315