كتاب سر الفصاحة
عوجا على الطلل المحيل لعلنا ... تبكى الديار كما بكى ابن خذام1
وإذا كان زمان امرئ القيس قد تأخر عن زمان جماعة من الشعراء فيجب تفضيلهم عليه لأنك قلت إنما يفضل بتقدم الزمان فقط. فإن قال ليس امرؤ القيس في الطبقة الأولى بل من كان قبله أشعر وأحق بالتقدم قيل أولاً إن هذا خلاف لكافة من يفضل أشعار المتقدمين على المحدثين لأنهم ما اختلفوا في أن امرأ في الطبقة الأولى.
ثم خبرنا عن الطبقة التي امرؤ القيس منها أعرفت أن مواليدهم في وقت واحد حتى قطعت على أنهم طبقة لنساويهم في زمان الوجود فاق قال نعم! كذب لأن في تلك الطبقة قوماً لم يلحق أحد منهم زمان الآخر وقد جعل الأعشى فيهم وهو بعد امرئ القيس بمدة طويلة وإن قال لا يراعى في تفضيل المتقدمين على المحدثين قليل الزمان وإنما المؤثر في ذلك الزمان الكثير. قيل له: فحبرن عن من بينه وبين الأعشى من الزمان مثل ما بين الأعشى وامرئ القيس أيجوز أن يجعل شعره في طبقة شعر الأعشى. فإن قال: لا قيل له ولم وأنت قد ألحقت الأعشى بامرئ القيس وبينهما مثل ذلك من الزمان واعتللت بأنه لا يؤثر. فكيف صار بعد الأعشى مؤثراً في إلحاق من بعده به. وإن قال: يجوز أن يجعل في طبقة الأعشى من كان بعده بمثل الزمان الذي بينه وبين امرؤ القيس. قيل: أيجوز أن يجعل في طبقة هذا الشاعر من كان بعده بمثل الزمان الذي بين الشاعر الأول والأعشى فإن قال لا يسأل عن السبب في ذلك. وقيل له ما قيل في الشاعر الأول ولا سبيل له إلى الفرق وإن قال نعم ألزم أن يكون شعر بعض شعرائنا اليوم في طبقة امرئ القيس بهذا الترتيب والنسق وأن يجعل الشعر في طبقة ما
__________
1 عوجا: ميلا والمحيل: المتغير. وابن خذام بالخاء أو الحاء.
الصفحة 280
315