كتاب سر الفصاحة

بال أظهر من كل ظاهر وإن قال بعض المعاني. قيل: إن تلك المعاني التي سبق المتقدمون إليها وأخذها منهم المحدثون لا يخلو الأمر فيها من أن يكونوا نظموها بحالها أو زادوا عليها أو نقصوا منها فإن كانوا زادوا فلهم فضيلة الزيادة كما كان لاؤلئك فضيلة السبق وإن كانوا نقصوا فالمتقدمون في تلك المعاني خاصة أفضل منهم وإن كانوا نقلوها بحالها فتلك هي معاني المتقدمين لا يستحق المحدثون عليها حمداً ولا ذماً أكثر مما يجب في الأخذ والنقل. وهذا كله يرجع إلى الشعراء دون نفس الشعر لأن المعنى في نفسه لا يؤثر فيه أن يكون غريباً مخترعاً ولا منقولاً متداولاً ولا يغيره حال ناظمه المبتدئ المبتدع أو المحتذى المتبع وإنما هذا شئ يرجع إلى تفضيل السابق إلى المعنى على من أخذ منه.
فأما الألفاظ فإن كان يريد الألفاظ المفردة فتلك ليست لأحد والمحدث فيها والمتقدم واحد وإن كان يريد الألفاظ المؤلفة فإن المحدثين إذا أخذوا ألفاظاً قد ألفها ناظم قبلهم لم يؤثر فيها أخذهم لها حتى يقال إنها في شعر الأول أحسن منها في شعر الآخر بل تكون بمنزلة قصيدة شاعر ينتحلها آخر فلا يقال إن الانتحال أثر فيها.
فإن كان هذا واضحاً فمن أين يدل سبق المتقدمين إلى بعض المعاني على فضل أشعارهم على أشعار المحدثين الذين سبقوا إلى أضعاف تلك المعاني لولا عدم التوفيق وفرط الجهل.
وأما من ذهب إلى تفضيل أشعار المتقدمين على أشعار المحدثين من حيث كانوا لم يتكلفوا أشعارهم وإنما نظموها بالطبع والمحدثون بخلاف ذلك فإنه يقال له: ما الدليل على أن أشعار المتقدمين كانت تقع من غير تكلف. فإن قال بهذا جاءت الروايات عنهم قيل: الأمر بخلاف ذلك والمروى عن زهير بن أبي سلمى أنه عمل سبع قصائد

الصفحة 282