كتاب سر الفصاحة

في سبع سنين وكان يسميها الحوليات ويقول خير الشعر الحولي المحكك والرواة كلهم مجمعون على هذا غير مختلفين فيه وإذا فضلوا شعر زهير قالوا: كان يختار الألفاظ ويجتهد في إحكام الصنعة. وإذا وصفوا الحطيئة شبهوا طريقته في الشعر بطريقة زهير ويروون زهيراً كان يعمل نصف البيت ويتعذر عليه كماله فيتمه كعب ابنه.
وهذا كله بمعزل عن الطبع وسهولة النظم ولو لم يدل على ذلك إلا قلة أشعارهم - فإن ديوان بعض هؤلاء المحدثين مثل أشعار جماعة من المتقدمين في الكثرة - لكفى ذلك في تكلفهم للشعر ونصبهم فيه.
ثم يقال له: خبرنا عن هذا التكلف الذي ذكرته أهو ببن موجود في الشعر أو غير بين موجود فيه فإن قال: ليس بموجود فيه قيل: فلا تفضل أشعار المتقدمين على أشعار المحدثين بشئ غير موجود فيها وإن قال بل هو موجود في أشعار المحدثين دون المتقدمين. قيل: أتذهب إلى أن التكلف موجود في جميع أشعارهم أو في بعضها فإن قال في جميعها كابر لأن من يزعم أن جميع أشعار المحدثين مع السهولة في أكثرها والتيسر متكلفة وجميع أشعار المتقدمين مع التوعر في أكثرها غير متكلفة فهو جاحد للضرورة لا تحسن مناظرته وإن قال: بعض أشعار المحدثين متكلفة وبعضها غير متكلف قيل: وكذلك أشعار المتقدمين فقد تساووا عندك في هذه القضية وبطل تفرد المحدثين بالتكلف الذي ذكرته.
فأما الاستشهاد بأشعار هؤلاء المتقدمين فقد بينا فيما مضى من هذا الكتاب سببه وقلنا أن تقدم الزمان غير موجب لذلك وإنما موجبه أن العرب الذين يتكلمون باللغة العربية ولا يخالطون أحداً ممن يتكلم بغير لغتهم هم الذين أقوالهم حجة في اللغة والعرب الذين خالطوا غيرهم من

الصفحة 283