كتاب سر الفصاحة
العجم وفسدت لغاتهم بالمخالطة لا يستدل بكلامهم فلما كان العرب المتقدمون قبل الإسلام وفي الصدر الأول منه لا يخالطون في الأكثر غيرهم كانت أقوالهم في اللغة حجة ولما صاروا بالملك والدولة يخالطون غيرهم ويحضرون ويسكنون المدن لم يستدل بلغتهم. ولهذا السبب كان أبو عمرو بن العلاء يعيب جريراً والفرزدق بطول مقامهما في الحضر وأبطل الرواة الاحتجاج بشعر الكميت بن زيد والطرماح لأنهما كانا حضريين على هذا فلوم فرضنا اليوم أن في بعض القفار النائية عن العمارة قوماً من العرب لا يخالطون غيرهم وكانوا قد أخذوا اللغة عن مثلهم وكذلك إلى حين ابتداء الوضع لوجب أن يكون قولهم حجة كأقوال المتقدمين وإن كانوا محدثين. وإذا كان هذا مفهوماً فليس يوجب صحة الكلام بالعربية حسن النظم لأن ذلك لو وجب لكان كل عربي شاعراً والأمر بخلاف ذلك والشعراء من العرب المتقدمين بالإضافة إلى من ليس بشاعر جزء من ألوف ألوف.
وقد ذكرت في نقد الكلام أن لا يكون المعنى فاحشاً وعيب شعر أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن الحجاج بنا تضمنه من فحش المعاني وليس الأمر عندي على ذلك لأن صناعة التأليف في المعنى الفاحش مثل الصناعة في المعنى الجميل ويطلب في كل واحد منها صحة الغرض وسلامة الألفاظ على حد واحد وليس لكون المعنى في نفسه فاحشاً أو جميلا تأثير في الصناعة ولهذا ذهب قوم إلى استحسان المعنى الغريب وليس للأختراع في المعنى نفسه تأثير إلا كما للمتداول وقد أومأنا إلى هذا فيما تقدم وبينا أنه شئ لا يرجع إلى الشعراء دون المعاني والشبهة في مثل هذا ضعيفة جداً.
وذهب قوم أيضاً إلى حسن الترديد وهو أن يعلق الشاعر لفظة في البيت بمعنى ثم يرددها فيه بعينها ويعلقها بمعنى آخر كما قال زهير:
الصفحة 284
315