كتاب سر الفصاحة
ونقول إن الشعر يدخل في جميع الأغراض كالنسيب والمديح والذم والوصف والعتب والنثر لا يدخل في جميع ذلك فإن التشبيب لا يحسن في غير الشعر وكذلك غيره من الأغراض وما صلح لجميع ضروب الكلام وصنوفه أفضل مما اقتصر على بعضه.
وأما الذي نقوله من تفضيل النثر على النظم: فهو أن النثر يعلم فيه أمور لا تعلم في النظم كالمعرفة بالمخاطبات وبينة الكتب والعهود والتقليدات وأمور تقع بين الرؤساء والملوك يعرف بها الكاتب أمورهم ويطلع على خفي أسرارهم وأن الحاجة إلى صناعة الكتابة ماسة والانتفاع بها في الأغراض ظاهر. والشعر فضل يستغنى عنه ولا تقود ضرورة إليه وأن منزلة الشاعر إذا زادت وتسامت لم ينل بها قدراً عالياً ولا ذكراً جميلان والكاتب ينال بالكتابة الوزارة فما دونها من رتب الرياسة وصناعة تبلغ بها إلى الدرجة الرفيعة أشرف من صناعة لا توصل صاحبها إلى ذلك وأن أكثر النظم إذا كشف وجد لا يعبر عن جد ولا يترجم عن حق وإنما الحذق فيه الإفراط في الكذب والغلو في المبالغة وأكثر النثر شرح أمور متيقنة وأحوال مشاهدة وكثر فيه الجد والتحقيق أفضل مما كثر فيه المحال والتقريب وقد يتسع الكلام فيما لا يخرج عن هذا الفن وهذه الجملة كافية في مثل هذا الموضع.
فصل فيما يحتاج مؤلف الكلام إلى معرفته
الذي يحتاج مؤلف الكلام إليه من معرفة اللغة التي هي لغة العرب قدر ما يعرف كل شئ باسمه الذي وضعته له. ويجب أن يكون ذلك
الصفحة 288
315