كتاب سر الفصاحة

الاسم أفصح أسمائه إن كانت له عدة أسماء وقد بينا الطريق إلى معرفة الفصيح فيما مضى من كتابنا هذا فإذا عرف ما ذكرته من اللغة احتاج إلى معرفة ما يتصرف ذلك الاسم عليه من جمع وتثنية وتذكير وتأنيث وتصغير وترخيم ليورده على جميع ما يتصرف فيه صحيحا غير فاسد ولهذا افتقر إلى علم النحو وسأذكر قدر ما يحتاج منه فإذا علم ما أشرت إليه افتقر إلى معرفة عدة أسماء لما يقع استعماله في النظم والنثر كثيراً ليجد إذا ضاق به موضع أو حظر عليه وزن إيراد اسم العدول إلى غيره.
ويحتاج في علم النحو إلى معرفة أعراب ما يقع له في التأليف حتى لا يذكر لفظة إلا موضوعة حيث وضعتها العرب من إعراب أو بناء على حسب ما وردت عنهم وليس لأحد أن يظن أن هذا هو معرفة النحو كله والاشتمال على جميع علمه لأن الكثير من النحو علم تقدير مسائل لا تقع اتفاقا في النظم ولا في النثر وكذلك التصرف من علم النحو لا يكاد مؤلف الكلام يحتاج إلا إلى الشئ اليسير منه فأما أن يكثر منه حتى يسوغ له أن يبنى من الدال في قد مثل عصفور وغير ذلك من مسائل قد وضعت في هذا الجبس فما لا أرى النحوي يفتقر إلى معرفته فضلا عن غيره.
ويحتاج الشاعر خاصة إلى معرفة الخمسة عشر بحرا التي ذكرها الخليل ابن أحمد وما يجوز فيها من الزحاف ولست أوجب عليه المعرفة بها ولينظم بعلمه فإن النظم مبنى على الذوق ولو نظم بتقطيع الأفاعيل جاء شعره متكلفاً غير مرضى وإنما أريد له معرفة ما ذكرته من العروض لأن الذوق ينبو عن بعض الزحافات وهو جائز في العروض وقد ورد للعرب مثله فلولا علم العروض لم يفرق بين ما يجوز من ذلك وبين ما لا يجوز.

الصفحة 289