كتاب الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري

- عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَفْعَالُهُ وَتَقَارِيرُهُ» (¬1) وقد قرر ابن بدران «أَنَّ هَذَا مَعْنَاهَا بِاعْتِبَارِ العُرْفِ الخَاصِّ (¬2) وَهِيَ بِهَذَا تُشَارِكُ الحَدِيثَ فِي مَعْنَاهَا المُتَقَدِّمِ» وإن كان الحديث يشمل ما ينقل في الأحكام وغيرها، أما السنة فهي خاصة بما يقرر حكمًا أو يستدل بها عليه.
3 - كما تطلق السُنَّةُ على ما كان من العبادات نافلة منقولة عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن تعلقت بتركها كراهة وإساءة فهي سُنَّةُ الهُدَى، وَتُسَمَّى سُنَّةً مُؤَكَّدَةً، كالأذان والجماعة وسنة الفجر وغيرها، وإنْ لم تتعلق بتركها كراهة وإساءة تسمى سنن الزوائد «أَوْ سُننًا غَيْرَ مُؤكَّدَةٍ» (¬3).
وقد تطلق السنة على العادة الدينية أو القانونية التي أقرها الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكانت سائدة في عصره، ونُقلت عن السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم من الأئمة المُقتدى بهم. وهذا معناها باعتبار العرف العام (¬4).
وهذا الإطلاق الثالث للسنة كان هو الأسبق، وهو الذي كان شائعًا في العصر. قال السرخسي: «وَالسَّلَفُ كَانُوا يُطْلِقُونَ اسْمَ السُنَّةِ عَلَى طَرِيقَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، وَكَانُوا يَأْخُذُونَ البَيْعَةَ عَلَى سُنَّةِ العُمَرَيْنِ» (¬5) كما كان شائعًا على ألسنة العلماء في القرن الثاني للهجرة. يَقُولُ ابْنُ مَهْدِي (¬6)
عَنْ
¬__________
(¬1) " الإحكام " للآمدي: 1/ 241.
(¬2) " المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ": ص 89.
(¬3) " كشاف اصطلاحات الفنون ": 1/ 704.
(¬4) " المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ": ص 89؛ " نظرة عامة في [تاريخ] الفقه الإسلامي " للدكتور علي حسن عبد القادر: 1/ 115.
(¬5) " أصول السرخسي ": 1/ 114.
(¬6) " تهذيب التهذيب ": 3/ 10؛ و" تقدمة الجرح والتعديل ": ص 177.

الصفحة 14