كتاب رسالة التوحيد المسمى بـ تقوية الإيمان

ولا يمكنه فيه، وأن الناس يأتون ربهم فرادى لا يمنع أحد آخر، وقد تظافرت الآيات على ذلك وكثرت.
ومن تأمل في آيتين، أو ثلاث من الآيات الكثيرة التي سردناها، والتي لم يتسع المجال لذكرها، عرف الفرق بين الشرك والتوحيد، وتجلت له حقيقتهما، وقد آن الأوان لأن نذكر الخلال والأعمال التي خصصها اللَّه بذاته العلية، ولم يأذن لغيره أن يكون له نصيب منها، وهي كثيرة يطول ذكرها، ولكن لا بد أن نخص بالذكر منها ما يستطيع القارئ الفَهِمُ الذكي أن يقيس عليها، ويميز بين الحق والباطل، والهدى والضلال.
1 - العلم المحيط الشامل من خصائص اللَّه تعالى:
وفي مقدمة هذه الأمور: أنه من شأن اللَّه وحده أن يكون ناظرا في كل مكان، يعلم ما دق وجل، وبعد أو دنا، أو خفي أو ظهر، لا تخفى عليه خافية في أي وقت، لا فرق في ذلك بين نور وظلمة، وبين سماوات وأرضين، وبين قمم الجبال، وأغوار البحار، هذا العلم المحيط الشامل لكل زمان ومكان، الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة، صفة خاصة بالله تعالى، لا يشاركه فيها أحد، فمن كان يلهج باسم أحد من الخلق، ويناديه قائما وقاعدا، وعن قرب وبعد، ويستصرخه ويستغيث به عند نزول البلاء، ودفع الأعداء أو يختم ختمة باسمه، أو يراقبه، ويركز فكره عليه، ويصرف همته إليه، متمثلا صورته كأنه يشاهده، ويعتقد أنه إذا ذكر اسمه باللسان أو القلب، أو تمثل صورته، أو قبره، واستحضرهما، علم بذلك وعرفه، وأنه لا يخفى عليه من

الصفحة 56