كتاب رسالة التوحيد المسمى بـ تقوية الإيمان

لا يصح، لأن الإنسان كثيرا ما ينسى شيئا، ثم يؤمن به إذا أخبره به الثقات، فكلنا ولد من بطن أمه، ولكنه لا يذكر هذه الساعة، ولا هذا الحادث، فإنه كان لا يعي ذلك ولم يكن يعقل في ذلك الحين، ولكن لما استفاض ذلك الخبر، وتواترت به الأنباء، وتناقلته الألسن، آمن به، ولم يشك في أمه أنها له أم، وهو لها ابن، لا يعدل عنها عدولا، ولا يبغي لها بديلا، فمن عق أمه، ولم يبر بها، واتخذ له أما أخرى، كثرت القالة فيه، وأصبح شامة في الناس، فإن تعلل بأنه لا يذكر هذا الحادث، وأنه لا يعتمد على مجرد الإشاعة، ضعف الناس عقله، وسفهوا حلمه، واعتبروه قليل الحياء، قليل الأدب، فإذا كان الناس يعتمدون على حديث العامة، وآمنوا بسببه بحقائق، كان الأنبياء أولى بهذه الثقة، وأجدر بالاحتجاج.
وقد تبين من هذا الحديث أنه قد سبق أمر اللَّه بالتوحيد والنهي عن الشرك لكل نسمة في عالم الأرواح، وما بعث الرسل، ونزلت الصحف إلا لتبين ذلك وتؤكده، وقد تلخص كلام الأنبياء، وهو الاعتصام بالتوحيد، وإخلاص الدين لله، والابتعاد عن الشرك، واتخاذ غير اللَّه حاكما، يتصرف في الكون، واتخاذه ربا يطلب منه تحقيق مطالبه وإسعاف حاجته.

الضن بعقيدة التوحيد والاستقامة عليها عند الفتنة والبلاء:
وأخرج أحمد عن معاذ بن جبل قال: قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لا تشرك بالله شيئا وإن قتلت وحرقت» .

الصفحة 93