كتاب مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة

فأعطاه ألفا وأمسك الفرس. قال: ثم مرّ عليه راجعا في سنته. فقال له (زياد) : أعطني ألفا أخرى. فقال له التغلبي: كلما مررت بك تأخذ مني ألفا؟ قال: نعم. فرجع التغلبي إلى عمر بن الخطاب، فوافاه بمكة، وهو في بيت. فاستأذن عليه. فقال: من أنت؟ فقال: رجل من نصارى العرب، وقص عليه قصته. فقال له عمر: كفيت. ولم يزد على ذلك. قال: فرجع التغلبي على زياد بن حدير، وقد وطن نفسه على أن يعطيه ألفا أخرى. فوجد كتاب عمر قد سبق إليه:
من مرّ عليك فأخذت منه صدقة، فلا تأخذ منه شيئا إلى مثل ذلك.
ذلك اليوم من قابل، إلا أن تجد فضلا.
قال: فقال الرجل: قد والله كانت نفسي طيبة أن أعطيك ألفا، وإني أشهد أني بريء من النصرانية، وأنا على دين الرجل الذي كتب إليك هذا الكتاب.
(رواية ثانية:) عن زياد بن حدير أنه مدّ حبلا على الفرات. فمرّ عليه رجل نصراني. فأخذ منه. ثم انطلق فباع سلعته. فلما رجع مرّ عليه. فأراد أن يأخذ منه. فقال: كلما مررت عليك تأخذ مني؟ قال:
نعم. فرحل الرجل الى عمر بن الخطاب، فوجده بمكة يخطب الناس، وهو يقول: إن الله جعل البيت مثابة [1] ، فلا أعرفنّ من انتقص أحدا من مثابة الله الى بيته شيئا. قال (التاجر النصراني) : فقلت له: يا أمير المؤمنين، اني رجل نصراني، مررت على زياد بن حدير، فأخذ مني،
__________
[1] قوله «مثابة» ، في بعض النسخ زيادة ههنا، ولعله شرح لقوله «فلا أعرفنّ الخ» . ونصها يعني لا يأخذنّ من حرم الله عز وجل شيئا يظلم به أحدا، أو يحمل شيئا من الحرم يرده إلى بيته في الحل اهـ.
ومعنى «مثابة» مرجعا يأمنون فيه. أفاده الشارح اهـ.

الصفحة 746