كتاب الزهد والرقائق - ابن المبارك - ت الأعظمي (اسم الجزء: الملحق)
أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَالَ: أَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابِهِ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي بَيْتٍ، عَلَيْهِ خُلْقَانٌ جَالِسٌ عَلَى التُّرَابِ، قَالَ جَعْفَرٌ: وَأَشْفَقْنَا مِنْهُ حِينَ رَأَيْنَاهُ عَلَى تِلْكِ الْحَالِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وُجُوهِنَا قَالَ: إِنِّي أُبَشِّرُكُمْ بِمَا يَسُرُّكُمْ، إِنَّهُ جَاءَنِي مِنْ نَحْوِ أَرْضِكُمْ عَيْنٌ لِي، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ قَدْ نَصَرَ نَبِيَّهُ، وَأَهْلَكَ عدُوَّهُ، وَأَسَرَ فُلَانًا وَفُلَانًا، وَقَتَلَ فُلَانًا وَفُلَانًا، الْتَقَوْا بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ بَدْرٌ كَثِيرُ الْأَرَاكِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، كُنْتُ أَرْعَى لِسَيِّدِي، رَجُلٍ مِنْ بَنِي ضَبَّةَ إِبِلَهُ، قَالَ جَعْفَرٌ: «مَا بَالُكَ جَالِسًا عَلَى التُّرَابِ؟ لَيْسَ تَحْتَكَ بِسَاطٌ وَعَلَيْكَ هَذِهِ الْأَخْلَاقُ» قَالَ: إِنَّمَا نَجِدُ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ حَقًّا عَلَى عِبَادِ اللَّهِ أَنْ يُحْدِثُوا لِلَّهِ تَوَاضُعًا عِنْدَ كُلِّ مَا أَحْدَثَ لَهُمْ مِنْ نِعْمَةٍ، فَلَمَّا أَحْدَثَ اللَّهُ لَنَا نَصْرَ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَحْدَثْتُ لِلَّهِ هَذَا التَّوَاضُعَ
أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِطَعَامٍ، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: لَوْ أَكَلْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَأَنْتَ مُتَّكِئٌ كَانَ أَهْوَنَ عَلَيْكَ، فَأَصْغَى بِجَبْهَتِهِ حَتَّى كَادَ يَمَسُّ الْأَرْضَ بِهَا , قَالَ: «بَلْ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَنَا جَالِسٌ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ، وَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ» وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ مُحْتفِزًا
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، وَيَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، قَالُوا: «أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وَقَفَ بِذِي طُوًى، وَهُوَ مُعْتَجِرٌ بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ، فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ خُيُولُهُ، وَرَأَى مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهِ تَوَاضَعَ لِلَّهِ حَتَّى إِنَّ عُثْنُونَهُ لَتَمَسُّ وَاسِطَةَ رَحْلِهِ»
الصفحة 53