كتاب الرقة والبكاء لابن أبي الدنيا

269 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ , عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ ابْنِ ذَرٍّ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ، فَذَكَرَ رَوَاجِفَ الْقِيَامَةِ وَزَلَازِلَهَا وَأَهْوَالَهَا، وَشِدَّةَ الْأَمْرِ يَوْمَئِذٍ هُنَاكَ. قَالَ: وَاسْتَبْكَى ابْنُ ذَرٍّ، وَبَكَى النَّاسُ يَوْمَئِذٍ بُكَاءً شَدِيدًا. قَالَ: فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عِجْلٍ يُقَالُ: لَهُ وَرَّادٌ , فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَصْرُخُ وَيَضْطَرِبُ، حَتَّى هَدَأَ. قَالَ: ثُمَّ حُمِلَ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ صَرِيعًا قَالَ: فَجَعَلَ ابْنُ ذَرٍّ يَوْمَئِذٍ يَبْكِي وَيَقُولُ: §لَيْسَ كُلُّنَا قَدْ أَتَاهُ الْأَمَانُ مِنَ اللَّهِ يَا وَرَّادُ غَيْرُكَ لَيْسَ كُلُّنَا قَدْ أَيْقَنَ بِالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ غَيْرُكَ. وتالِلَّهِ أَيُّهَا النَّاسُ مَا أَخُو بَنِي عِجْلٍ بِأَوْلَى بِالْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ مِنَّا وَمِنْكُمْ، وَمَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا عَلَى مِثْلِ حَالِهِ بَيْنَ خَوْفٍ وَرَجَاءٍ. وَإِنَّا فِيمَا نَدَبَنَا اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ طَاعَتِهِ لَمُشْتَرِكُونَ جَمِيعًا، فَمَا الَّذِي قَصَّرَ بِنَا وَأَسْرَعَ بِهِ؟ وَكَلَمَ قَلْبَهُ حَتَّى أَبْكَاهُ فَأَخْرَجَهُ إِلَى مَا رَأَيْتُمْ مِنْ مَخَافَةِ اللَّهِ؟ وَكُلُّنَا قَدْ سَمِعَ -[192]- الْمَوْعِظَةَ , وَفَهِمَ التَّذْكِرَةَ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَحَدٍ مِنَّا سِوَاهُ لِذَلِكَ حَرَّكَهُ، وَلَمْ تَنْبِضْ مِنْ أَحَدٍ مِنَّا فِي ذَلِكَ خَارِجَةٌ وَاللَّهِ إِنْ هَذَا يَا أَخَا بَنِي عِجْلٍ إِلَّا مِنْ صَفَاءِ قَلْبِكَ، وَتَرَاكُمِ الذُّنُوبِ عَلَى قُلُوبِنَا، وَمَا أَرَانَا نُؤْتَى إِلَّا مِنْ أَنْفُسِنَا " قَالَ: ثُمَّ بَكَى ابْنُ ذَرٍّ، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم: 11] "، قَالَ عُمَرُ قَالَ أَبِي: كُنْتُ أَرَى وَرَّادًا الْعِجْلِيَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ مُقَنَّعَ الرَّأْسِ، فَيَعْتَزَلُ نَاحِيَةً، فَلَا يَزَالُ مُصَلِّيًا وَدَاعِيًا وَبَاكِيًا كَمْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ النَّهَارِ. ثُمَّ يَخْرُجُ , ثُمَّ يَعُودُ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ فَهُوَ كَذَلِكَ بَيْنَ صَلَاةٍ وَدُعَاءٍ وَبُكَاءٍ حَتَّى يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ. ثُمَّ يَخْرُجُ لَا يُكَلِّمُ أَحَدًا، وَلَا يَجْلِسُ إِلَى أَحَدٍ فَسَأَلْتُ عَنْهُ رَجُلًا مِنْ حَيِّهِ، وَوَصَفْتُهُ لَهُ، قُلْتُ: شَابٌّ مِنْ صِفَتِهِ، مِنْ هَيْئَتِهِ قَالَ: بَخٍ يَا أَبَا عُمَرَ تَدْرِي عَمَّنْ تَسْأَلُ؟ ذَاكُ وَرَّادٌ الْعِجْلِيُّ الَّذِي عَاهَدَ اللَّهَ أَنْ لَا يَضْحَكَ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وَجْهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ أَبِي: فَكُنْتُ إِذَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ هِبْتُهُ

الصفحة 191