كتاب الجوع لابن أبي الدنيا

§عَابِدٌ
135 - وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِكِّينٍ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَاحِبٌ لِي، وَكَانَ مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ، قَالَ: «§زِدْتُ لَيْلَةً فِي فِطْرِي بَعْضَ الزِّيَادَةِ، فَثَقُلْتُ عَنِ الصَّلَاةِ، فَأُرِيتُ فِي مَنَامِي نَوَائِحٌ تَنُحْنَ عَلَيَّ» ، فَقُلْتُ: «تَنُحْنَ عَلَيَّ وَأَنَا حَيٌّ؟» فَقُلْنَ لِي: بَلْ أَنْتَ مِنَ الْأَمْوَاتِ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ كَثْرَةَ الطَّعَامِ تُوهِنُ الْأَبْدَانَ، وَتُمِيتُ الْقَلْبَ الْيَقْظَانَ، وَتَتْرُكُ الْمَرْءَ كَالْوَسْنَانِ؟ قُلْتُ: «فَمَا الْمَخْرَجُ لِي، وَمَا الْحِيلَةُ؟» قُلْنَ: تَدَعُ الطَّعَامَ وَأَنْتَ تَشْتَهِيهِ، فَهُوَ أَرْوَحُ لِبَدَنِكَ عِنْدَ سَلَامَتِهِ، وَأَشَدُّ لِشَهْوَتِكَ لِلطَّعَامِ عِنْدَ مُعَاوَدَتِهِ قَالَ: «فَوَاللَّهِ مَا شَبِعْتُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَا وَجَدْتُ الْخَيْرَ إِلَّا فِي الْبُلَغِ»
§عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَرْزُوقٍ
136 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ حَكِيمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَرْزُوقٍ، يَقُولُ: «§لَمْ يُرَ لِلْأَشَرِ مِثْلُ الْجُوعِ» ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُمَرِيُّ الزَّاهِدُ: وَمَا دَوَامُهُ عِنْدَكَ؟ -[94]- قَالَ: «دَوَامُهُ أَنْ لَا تَشْبَعَ أَبَدًا» ، قَالَ: وَكَيْفَ يَقْدِرُ مَنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا عَلَى هَذَا؟ قَالَ: يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ: «مَا أَيْسَرَ ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى أَهْلِ وِلَايَتِهِ، مَنْ وَفَّقَهُ لِطَاعَتِهِ، لَا يَأْكُلُ إِلَّا دُونَ الشِّبَعِ، فَذَاكَ دَوَامُ الْجُوعِ»

الصفحة 93