كتاب خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني

كما تكلموا في مناسبة المطالع للمقاصد والخواتيم سواء في القرآن أو في غير القرآن وهذا لا يتحقق إلا بدراسة النص كاملا.
وكل هذا جعلني لا ألتفت إلى هذا الانتقاد الذي وجهه الشيخ أمين للدارسة البلاغية، ولا أعرف أحد ذكره قبله لا من القدماء ولا من المحدثين، ثم رأيت هذا الكلام يطل علينا مرة أخرى من كتب كان يجب أن تراجع قبل أن تردد. والذي أغرى الشيخ أمين بهذا هو أنه اعتمد في درسه للبلاغة على شروح التلخيص كما قال هو، وحقل الدراسة البلاغية ومادتها أوسع مما في كتب شروح التخليص بل أن علم المناسبة وهو علم يدل لفظه على أنه يعني بالكليات سواء في العلاقت داخل السورة أو في العلاقات بين السور هذا العلم ذكر علماؤه أنه لا يستطيع الخوض فيه إلا من كان له حظ وافر في علم المعاني.
قلت هذا مع أنني أرفض هذه الطريقة التي تطالب أوئلنا بالوفاء بحاجاتنا وإلا كان ذلك مبررا للأخذ منالأخرين، والذي يجب أن يقال هو أن علماءنا وضعوا هذه اللبنة وعلينا نحن أن نضع لبنة فوق لبنتهم من خلال حاجاتنا وأن تكون هذه اللبنة صورة لنا. وأن نكون نحن اللبنة كما قال سيدنا صلوات الله وسلامه عليه "وأنا اللبنة" ولم يقل أحد له عقل إن على الأجيال السابقة أن تكتب لحاجات الأجيال اللاحقة؛ لأن الأجيال اللاحقة ليست هملا معطلا؛ ولم يخلقهم سبحانه وتعالى: "عالة" على غيرهم فإذا لم يجدوا شيئا يريدونه في كلام وأئلهم بحثوا عنه عند غيرهم، فإذا لم يجدوا شيئا يريديونه في كلام أوائلهم بحثوا عنه عند غيرهم، وكأن عقولهم هؤاء مغسولة. وإنما خلقهم سبحانه كما خلق غيرهم، وغرس فيهم العقول التي غرسها في غيرهم، لأنه سبحانه لم يظلم أحدا من خلقه ولم يخلق جيلا هملا لا يستطيع الكسب بعقله، وإنما جعلنا سبحانه خلفاءه في أرضه، والخليفة لا يكون هملا، هذا هو موقفي
للأكاديمية الفرنسية رسالة توبيخ لرئيس الجمعية الوطنية الفرنسية بسبب تكرار الأخطاء اللغوية في أحاديث أعضاء البرلمان واستخدامهم ألفاظا لمتقر الأكاديمية دخولها في اللغة الفرنسية، ووصف سكرتير الأكاديمية في رسالته التي نشرتها صحيفة لوفيجارد هذه الظاهرة بأنها سرطان يهدد اللغة الفرنسية على مشارف القرن الواحد والعشرين.
أقول هذا ما عليه الناس وما كانت علهي أمتنا في زمنها الأول، وقد ذكروا أن هند بنت أسماء بن خارجة لحنت وهي عند الحجاج فقال لها: أتلحنين وأنت شريفة في بيت قيس، اللحن واضطراب اللغة خسيسة تحط قدر الشريف.
هذا شيء من دلدالة الوجه الأول في كلمة مفتاح العلوم.
أما الوجه الثاني الذي يفيد أن ما في هذه العلوم الثلاثة هو مفاتحيها لا غير فهذا يعني أن ما لخصه السكاكي من كلام الأصحاب وأقام كتابه عليه لا يعدو أن يكون مفتاح باب العلم وليس هو العلم والأصحاب الذين لخص كلامهم هم عبد القاهر والزمخشري وابن الخطيب الرازي، وتراث هؤلاء الأعلام الثلاثة في البلاغة مفتاح لا غير أما العلم فهو كما قال تتبع خواص التراكيب، يعني العلم هناك في البيان المصقول والتراكيب الحية ذات الخصوصيات المستحسنة.
وتتبع ذلك ومدراسته ومداخلته والذي في كتابه متن يفتح لك الطريق لتدخل به في ساحات هذا العلم وباحته وهذه الساحات والباحات هي الشعر ومختار الأدب فستخرج من تحت ألسنة الشعراء وأهل البيان دقائق، ما أودعوا، وكتاب المفتاح قواعد أي حرفة لا تكسبك المهارة فيها، وإنما الذي يكسبك المهارة هي الممارسة، والممارسة في هذه العلم تحليل الشعر والأدب لا غير.
وأحسب أن الكساكي استلهم هذا من عبد القاهر رأس الأصحاب لأن عبد القاهر

الصفحة 11